المرأة وهامش الكتابة
سلوى عباس
إذا كانت الكتابة تشكل للإنسان نافذة على الحياة، وتجعله يعيش في عمقها أكثر، فكيف تعيش المرأة مع الكتابة؟ هل ما زالت تعاني من محظورات وحواجز تقيّدها بشكل مختلف عن الرجل الأديب؟ وما هو هامش الحرية الذي تكتب ضمنه؟ خاصة وأننا نرى بعض الكاتبات يكتبن بجرأة ملفتة، ويقدمن أفكاراً تجعلنا نتوقف كثيراً عند أسبابها، ليطرق السؤال ذاكرتنا فيما إذا كانت هذه الجرأة مدروسة وغير اعتباطية، تأخذ في الحسبان الضوابط الاجتماعية والنفسية والدينية التي قد تقف عائقاً أمام المرأة الكاتبة، ولو أن المرأة بدأت منذ النصف الثاني من القرن الماضي وحتى الآن تحقق حضورها الإبداعي بشكل يميزها عمن سبقنها من الكاتبات من حيث توفر الظروف الاجتماعية التي أصبحت أخف وطأة على المرأة من ذي قبل، وهناك شريحة من النساء الجريئات اللواتي يملكن رؤية أثبتن أنفسهن من خلالها، وامتلكن مشروعهن الحقيقي الذي ربما سيغيّرن عبره المجتمع ويحركن تلك البحيرة الراكدة من المفاهيم والعادات والتقاليد التي يجب أن تتغير حتى يصبح المجتمع حياً، وأذكر جواباً لإحدى الكاتبات عندما سألتها عن الكتابة، ماذا تمثل لها؟ وما الرسالة التي تضمّنها لأدبها؟ وإلى أي مدى أثّرت كتابتها في المجتمع، وفي المرأة بشكل خاص وجعلتها حاضنة لجيل يعي الواقع المعاش، ويعرف كيف يتعامل معه ويميز الخطأ من الصواب فيه؟ إذ قالت: “الكتابة بالنسبة لي المدى الواسع الذي ألجأ إليه وأرى نفسي أدور ضمن مجرّته.. هي الشجرة المورقة في حياتي، والمنبر الذي أستطيع عبره أن أقول ما أريد، وأعرّف نفسي ومجتمعي. أما الرسالة التي أضمنها لكتابتي فتنطلق من أن كل كاتبة لها رسالة في الحياة، وربما رسالتي بدأت مع لحظة بدايتي في الكتابة كحالة من وعيّ لذاتي ولمحيطي وللبيئة من حولي، لذلك يجب أن يكون لي صوت ورأي مهمتي إيصاله للآخر، وإذا لم يصل فإن رسالتي تكون غير مكتملة، يجب عليّ أن أغيّر بالآخر نحو الأحسن كما غيرتني الكتب التي قرأتها، خاصة في موضوع وعي المرأة لشخصيتها وكينونتها وهويتها واسمها واحترامها لذاتها لتنشئ جيلاً يحترم وطنه وبلده، هذه كلها قيم علينا أن نضمّنها لأدبنا، وأنا أتقصد أن أكتبها بشكل مرمز حتى لا تكون بالصيغة المباشرة المنفرة، فأتسلل إلى الرموز التاريخية والقصص الأسطورية والشعبية لأوصلها للجيل الجديد، لكن كل ذلك لا ينفع إذا لم تكن الكاتبة تتمتع بالثقافة العالية والأسلوب الشيّق، وأن تدرك الأسلوب الذي تمسك بالقارئ من خلاله حتى تستطيع إيصال رسالتها له، من هنا كل كاتب له رسالة وعليه أن يعيها ويقدمها بالطريقة التي يرى أنها تصل للقارئ، وبالنسبة لي رسالتي ربما هي الصراخ ضد الظلم والقهر ونحن ككتاب مسؤولين عن النضال من أجل الإنسان والقيم والأخلاق في زمن الضياع والفوضى هي السائدة فيه اليوم، فالكلمة مثل الرصاصة بل هي أقوى لأنها تبقى للمستقبل”.
وهناك من الكاتبات يطرحن أفكارهن بجرأة مدروسة ولا يقدمنها اعتباطياً، انطلاقاً من إدراكهن لما يعانيه مجتمعنا من أفكار وقيود وإشراطات تحجّم أفكار وسلوك المرأة والرجل على حد سواء وتعيق تفتح الوعي لديهم، ويدركن أن مهمتهن ككاتبات أن يكنَّ جريئات في تحريض الإنسان على كسر هذه القيود، والتخلص من الإشراطات كلها بوعي أكبر، في سعي جلي وواضح إلى ترسيخ الأخلاق التي تأتي من الذات والفضيلة التي يجب أن يتحلى بها الإنسان. وجرأة الأفكار التي يطرحنها تتجلى بالتحريض على الوعي، والانفتاح على الداخل الإنساني، وهذا الموضوع يقدمنه بلا حدود.
وعطفاً على ما سبق، يحضر السؤال: إلى أي مدى تشكل التجربة الأدبية هامشاً من الحرية يضاهي التجربة الحياتية؟ حتى وإن كانت الأولى تستمد مادتها من الثانية، حيث الحياة ضيقة بالمقارنة مع ساعة الكتابة التي لا يحد من آفاقها شيء.