الكـتـابـة الـنسـويـة
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
ربما لا يخفى على المتابعين في مجال الأدب شيوع مصطلح “الأدب النسائي” ما بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، انطلاقاً من خصوصية المضمون الذي تناولته الأقلام النسائية، لكن هذا المصطلح يقلل من أهمية إبداع المرأة، فالإبداع إبداع بغض النظر عن جنس الكاتب، لأن الأدب نتاج إنساني يعكس تجربة حياتية، فإما أن يكون رفيعاً أو يكون قبيحاً، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا طُرح هذا التصنيف على الأدب دوناً عن أنواع الفنون الأخرى؟
في مراجعة لموقف المرأة الكاتبة من مصطلح الكتابة النسوية، نقرأ ثلاثة مواقف متباينة: الأول رافض كلياً للمصطلح بسبب الحساسية الخاصة التي ولّدها عند الجيل الذي استطاع أن يكرّس حضوره الإبداعي وشهرته الأدبية مثل غادة السمان، أما الثاني فتمثل بالوسطية حيث يُقر من جهة بخصوصية التجربة التاريخية والاجتماعية التي عاشتها المرأة وجعلتها أسيرة شرطها، ومن جهة أخرى يرفض أن تكون هذه الخصوصية نابعة من خصوصية طبيعة المرأة، وتشكل محددات للأدب الذي تكتبه، بينما تلقف الموقف الثالث المصطلح وتبناه في طروحاته ودافع عنه محاولاً تطويقه في الثقافة والأدب العربيين.
وفي نظرة لما قدمته المرأة في مجال الإبداع، نراه يتواتر ضمن غزارة الإبداع النسائي في كثير من النصوص التي أخذت تتميز وتحقق حضوراً باهراً، حيث كان الأمر من قبل يقتصر على ريادات معينة، فمن مريانا مراش في نهاية القرن التاسع عشر حتى مرحلة الستينيات كان عدد الكاتبات محدوداً جداً، وفي سورية كانت ريادة كوليت خوري من الأهمية بمكان، وفي الستينيات كانت كتابات غادة السمان وجورجيت حنوش وغيرهن، وبدأت هذه الجهود تتضافر ليس في سورية فقط، بل في البلاد العربية، وهنا تحضرني بعض الملاحظات على الواقع الأدبي، حيث بدأ كثير من الاستسهال يؤذي هذه الغزارة، وداء الاستسهال هذا الذي تفشى في السنوات الأخيرة لا يخص كتابة المرأة وحدها، بل يخص كتابة كثيرين ممن يدّعون أنهم أصوات جديدة، أو مجددون، إن كان في الشعر أم في الرواية؛ كما أن كثيرين من المهتمين بقضية المرأة كحلقة من حلقات خروج مجتمعاتنا من هذه المستنقعات يربتون على أكتاف بعض الكتابات النسائية يغرقونها بالمدائح وبالحفاوة، فينقلب هذا التقدير إلى عبء وقيد وإلى منزلقات، وبالمقابل هناك انجازات علينا أن ندعمها بالنقد والتدقيق في مقوماتها، بعيداً عن التعصب والذكورية التي يبدو أنها تتفضل أحياناً على امرأة أو أخرى.
أما القضايا التي تناولتها المرأة عبر فنون الأدب كلها، فهناك كاتبات تناولن بعمق قضايا ربما تخص المرأة أكثر من الرجل، أو قضايا تخص المجتمع بعامة، فالرواية مثلاً فضاء مفتوح لكل نوازع الروح والجسد، لكن المهم هو كيفية إيصاله جمالياً، فهناك فرق بين الجعجعة وبين المواجهة التي هي تفكيك ونقد جذري، ومحاولة تقديم بدائل إن أمكن، وبالطبع ليس شرطاً دائماً أن يكون لدى من ينقد، أو من يفكك، تصور لبديل. ثم إنه يجري التنويه بـ “المساهمة النسائيّة” في الرواية العربية الحديثة، وكأن وجود المرأة الكاتبة شأن طارئ على الثقافة العربية!! ولعل أسوأ ما في الأمر نظرة الاستعلاء المضمرة إلى كتابة المرأة، وإنْ أتت مقنّعة بمظاهر “التشجيع”، وقد أدى هذا إلى ظلم إسهام الكاتبات مرتين: مرة من خلال “تشجيعهن” لأنهن كاتبات؛ ومرة أخرى من خلال التركيز على الجانب الاجتماعي لنصوصهن، وإهمال الجوانب الفنية.
من هنا، فإن مصطلح “أدب نسائي” – وتحديداً في “الرواية” – مصطلح يدور في الفراغ، لأن نسبة الرواية إلى جنس الكاتب أو الكاتبة لا غطاء نقدياً لها، وهذا لا يعني أنه ليس للرواية التي تكتبها امرأة ما خصوصية تجعلها تتميز عن الرواية التي يكتبها رجل ما، وما يهم هو طريقة بناء الشخصية الروائية، ووجود سمة لغوية معينة تخص هذه الكاتبة، فإذا كان المقصود بالرواية النسوية هذه الخصوصية التي قد تكون لكاتبة ما في رواية ما، فليكن، لكن المهم ألا تُتخذ عبارة الرواية النسوية كدريئة للابتزاز، أو لانتزاع مكانة غير مؤسسة على الفن.