مسرح الطفل.. على طاولة “مكاشفات” كتّاب دمشق
لأنه مسرح عريق في سورية يمتد إلى المرحلة التي تلت مرحلة رائد المسرح السوري أبو خليل القباني، كان من الطبيعي أن يكون مسرح الطفل محور الفعالية الثقافية “مكاشفات” التي يقيمها شهرياً اتحاد الكتّاب فرع دمشق بإدارة الأديبة سمر تغلبي.
التوسع الأفقي
تحدث الأديب جوان جان بدايةً عن التجارب المسرحية المتفرقة المتعلقة بمسرح الطفل والتي لم تنتظم إلا بعد العام 1960 مع تأسيس مسرح العرائس، مشيراً إلى أن مفهوم مسرح الطفل اتسع في السنوات الأخيرة ليشمل أيضاً ما يُقدَّم في المهرجانات المسرحية التي تقدّمها المنظمات الشعبية كمنظمة طلائع البعث وما يقدّم في مهرجان مسرح الطفل الخاص بوزارة التربية الذي وُلِد منذ حوالي سنتين، مؤكداً أن حركة المسرح عامة ومسرح الطفل خاصة مرتبطة دائماً بالفعالية الاجتماعية، فعندما تكون هناك بيئة اجتماعية مشجّعة ومناسبة للفنون عموماً والمسرح خصوصاً يزدهر المسرح ومن ضمنه مسرح الطفل، وعندما لا تكون هناك بيئة مساعدة نرى أن الفنون جميعها تتراجع بما فيها المسرح، منوهاً بأن الفعالية المسرحية الخاصة بالطفل أكثر ازدهاراً في دمشق عن باقي المحافظات، باعتبار أن معظم الفنانين موجودون في العاصمة. ومع هذا رأى جان أن عدد المسرحيات التي تُقدّم سنوياً ما زال قليلاً لأننا بحاجة لأعمال مسرحية طفلية على مدار العام في ظل وجود جمهور دائم له، عكس جمهور مسرح الكبار الذي يتأثر بالكثير من الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مبيناً اًن أهمية مسرح الطفل تنبع من تأثر وتفاعل الأطفال بشكل كبير بما يُقدّم لهم من خلاله، لذلك من الضروري برأيه العمل على التوسّع الأفقي بموضوع المسارح الموجهة للأطفال، حيث لا يكفي أن تُقدّم مديرية المسارح عدة عروض في السنة حتى نقول إن لدينا مسرح طفل، فنحن بحاجة في كل مدرسة وحي إلى تجمع خاص بمسرح الطفل والتوسع في كل الاتجاهات من خلال نشر النصوص المسرحية للطفل، وهي مهمة وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب وتشجيع التجمعات المسرحية الخاصة التي تُقدّم أعمالها للأطفال مع مراقبة ما يتمّ تقديمه حفاظاً على السوية الفنية لهذه الأعمال.
الكتابة الجديدة للأطفال
وأكد الكاتب محمد الحفري أن الكتابة المسرحية للأطفال هي من أصعب أنواع الكتابة لأنها تحتاج إلى جهد خاص وموهبة، والنص الطفلي يبدأ بفكرة يتمّ العمل عليها لتكون قصة، وإن لم تكن كذلك يجب أن تكون حكاية ثم يمكن تحديد نقطة الصراع والذروة عبر شخصيات العمل التي يجب أن تكون كل واحدة منها مختلفة عن الأخرى ولها منطقها من خلال حوار متقن، وهو يعدّ أهم ما في البناء المسرحي. وهنا يرى الحفري دوراً للكاتب المحب للمسرح والذي يعرف كيف ينتقل برشاقة في نصه، مشدداً على ضرورة أن نكتب للأطفال بطريقة مختلفة نتجاوز بها مسألة الفراشة والزهرة والذئب، وتواكب التقنيات الحديثة التي يتقنها طفل اليوم، ورأى أن الكتابة الجديدة للأطفال يتحمّل مسؤوليتها كتّاب الأطفال، وهو مشروع يقع على عاتق وزارة الثقافة والتربية واتحاد الكتّاب العرب وغير ذلك لأن طفل اليوم يختلف جذرياً عن طفل الأمس.
وكأحد المسرحيين الذين يعملون في المسرح المدرسي بيّن الحفري أن هذا المسرح يعتمد على طلاب المدارس، ومسرحياته موجهة من الصغار إلى الكبار، مؤكداً أن بعضهم لا يشعر بوجوده، وهذا أمر طبيعي لأن هذا المسرح كان يعمل بالتعاون مع اتحاد شبيبة الثورة وقد تمّ الفصل بينهما، لذلك لا يمكن الحكم على تجربته بعد الفصل لأنها ما زالت وليدة في ظل الظروف الصعبة.
مسؤولية وزارة التربية
وأشارت المخرجة سهير برهوم إلى أنها خاضت مؤخراً أول تجربة لها في مسرح الطفل من خلال مسرحية “نجمة الأحلام” عن نص لفاتن ديركي، ولم تنكر أن ذلك كان مغامرة وتحدياً بالنسبة لها لأنها كانت حريصة على متابعة ما يُقدَّم للأطفال، وقد لمست أن قلّة قليلة ترقى لما يريده ويرغب به طفل اليوم، لذلك احتاجت لوقت طويل لاختيار نص مسرحي بحثاً عن الأفضل والأنسب، مشيرة إلى أن النص المسرحي الطفلي يجب أن تتوفر فيه مقوّمات لتحقيق المتعة للطفل بهدف الاقتراب من عالمه ومزاجه، ومن خلال هذه المتعة يتمّ تمرير الرسائل المطلوبة بشكل غير مباشر، مع الأخذ بعين الاعتبار المراحل العمرية المختلفة لمرحلة الطفولة، حيث إن لكل مرحلة من هذه المراحل متطلباتها، مؤكدة أن العمل الضعيف يتحمّل مسؤوليته المخرج، لأن المخرج إذا لم يكن قادراً على تقديم ما يتجاوز فيه النص الضعيف يجب أن يبحث عن نص جيد، مبينة أنها كمخرجة قارئة ثانية للنص الذي تريد تناوله، وهي أيضاً كاتبة تضطر للكتابة المسرحية في بعض الأحيان ليس تطفلاً وإنما كونها خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية -قسم الدراسات المسرحية- إلى جانب عملها في المسرح كدراماتورج –قارئ وكاتب- في الكثير من الأعمال. ولم تخفِ برهوم عتبها على وزارة التربية المعنية بالدرجة الأولى بتفعيل هذا المسرح، وخاصة في ظل وجود مديرية متخصّصة بالمسرح، هي مديرية المسرح المدرسي التي تضمّ مجموعة من الموظفين وبعضهم تخرجوا من المعهد العالي للفنون المسرحية، ورأت أن هذا المسرح بحاجة إلى تنشيط بهدف تقديم عروض مسرحية تناسب الطفل في هذه المرحلة من خلال نصوص غير معقدة يتمّ أخذ رأي الأطفال بها لمعرفة ما يرغبون به، فالمخرج مهما مارس طفولته فهو لن يُقدّم إلا ما هو مستوحى من طفولته، في الوقت الذي أصبح فيه لطفل اليوم رغبات واحتياجات تختلف عن رغبات الجيل الماضي.
مرحلة متدنية من النقد
وأوضح الناقد علي العقباني أنه لا توجد حركة نقدية لمسرح الطفل لعدم وجود مناخ وعروض مسرحية كثيرة، وبالتالي لا يمكن للحركة النقدية أن تكون مزدهرة إلا بوجود عروض مسرحية تدفع النّقاد للعمل على العروض المسرحية نقدياً، مشيراً إلى أن فكرة النقد المسرحي ليست بالبحث عن أخطاء الآخرين وإنما المقدرة على الدخول في عمق الحالة المسرحية والشخصيات والإضاءة والحركة والتمثيل والحكاية والدراما، مؤكداً أن القراءة النقدية تأتي تالياً على الفن ولكنها فيما بعد تصبح بوصلة لأعمال مسرحية أُخرى، مبيناً أن النقد المسرحي اليوم يُمارَس بشكل عام من خلال ثلاثة منابر: الفيسبوك، وقد وصل إلى مرحلة متدنية على صعيد الأسلوب، والصحف الإلكترونية اليومية ومجلة “الحياة المسرحية” التي تُعنى أكاديمياً وتقنياً بالحالة المسرحية، مع الإشارة إلى أن الكتب التي تتحدث عن المسرح بشكل عام ومسرح الطفل بشكل خاص كثيرة، في حين أن الكتب التي تتناول عروضاً مسرحية بعينها ما زالت قليلة، موضحاً أن حياتنا المسرحية تفتقد للاستبيانات التي تقف عند معرفة احتياجات الأطفال، وهي مهمّة جداً لاختيار مواضيع ونصوص حسب مقتضيات الحاجة، وكذلك تفتقد للاستبيانات التي توضح ردود فعل الأطفال عما يُقدَّم. وختم العقباني بالقول إن المسرح عبر التاريخ لم يغيّر شيئاً من القيم، وبالتالي فإن مسرحية أو عدة مسرحيات لن تغيّر من قيم أطفالنا إلا بفعل التراكم والوقت.
أمينة عباس