تمهيداً للانتخابات البرلمانية.. أردوغان يسعى لتصفية أبرز معارضيه
في محاولة لضرب المعارضة وإزاحتها من طريقه، وضع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان كل ثقل أجهزته الحزبية والإعلامية والأمنية والقضائية لتضييق الخناق على حزب الشعوب الديمقراطي على طريق حظره، بينما يستعد حزب العدالة والتنمية لخوض انتخابات هي الأصعب منذ صعوده وتوليه الحكم في العام 2002، حيث تهزه انقسامات داخلية بعد انشقاق عدد من كبار قادته يتصدرهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أغلو والوزير السابق علي باباجان.
ويكافح “الشعوب”، والذي يتعرض لضغوط كبيرة منذ سنوات، للاستمرار على خلفية إجراءات قضائية قد تفضي إلى حظره في وقت يسعى فيه أردوغان إلى تعزيز وضعه قبل استحقاق انتخابي نتائجه غير مضمونة بالنسبة للعدالة والتنمية الإخونجي الحاكم.
ويتعرض الشعوب الديمقراطي، ثالث أحزاب أكبر الأحزاب في تركيا، لقمع قاس منذ العام 2016 عندما زُج بزعيمه صلاح الدين دميرطاش في السجن.
وكثفت السلطات التركية، متجاهلة الانتقادات الغربية، في السنوات الأخيرة عمليات الاعتقال وعزل مسؤولين منتخبين أعضاء في الحزب واستبدلت الغالبية العظمى لرؤساء البلديات الستة والخمسين بأتباعها. لكن مستقبل الحزب بات الآن على المحك على ما يبدو مع فتح أعلى محكمة في تركيا تحقيقاً بشأنه الأسبوع الماضي بعدما كثف أردوغان الهجمات عليه.
وقد يفضي هذا التحقيق، الذي يجريه المدعي العام في محكمة التمييز، إلى محاكمة قد يحظر فيها حزب الشعوب الديمقراطي في حال اعتبر منظمة ضالعة في “نشاطات إرهابية”.
وسبق هذه المحاكمة، دعوات أطلقها حزب الحركة القومية حليف أردوغان، تنادي بحظر الشعوب الديمقراطي بزعم أنه واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني، لكن حزب الشعوب الديمقراطي ينفي هذه المزاعم، مؤكداً أنه ضحية قمع بسبب معارضته الشرسة لأردوغان.
ويبدو واضحا أن هناك حالة توجس ومخاوف كبيرة لدى حزب أردوغان من الثقل الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي، الذي سبق أن انتزع نسبة 13 بالمئة في آخر انتخابات تشريعية مكّنته من دخول البرلمان، وهي نسبة فاجأت العدالة والتنمية وأدخلته في حالة هستيرية بدأت معها أسوا حملة قمع للحزب، فيما لم تكن خلفه آلة دعاية ضخمة ولا ماكينة إعلامية على خلاف حزب أردوغان، الذي يهيمن على وسائل الإعلام والساحات العامة، والذي وظّف كل إمكانات الدولة لصالحه.
ويبدو واضحاً أن أردوغان يخشى من مفاجآت في انتخابات العام 2023 بسبب أزمات متعددة الرؤوس أدخلت الاقتصاد في حالة من الركود وبفعل سياسات فجرت توترات داخلية وخارجية وأدخلت تركيا في متاهات سياسية واقتصادية وأضرت بشراكاتها مع دول حليفة.
وليس الثقل الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي لوحده ما يثير قلق أردوغان وحزبه، فثمة مخاوف من التحالفات الحزبية التي قد تشكل جبهة قوية في مواجهة الحزب الحاكم. وقد يدعو حزب الشعوب الديمقراطي قاعدته الانتخابية للتصويت لصالح حزب المعارضة الرئيسي: حزب الشعب الجمهوري.
ودفعت سياسات أردوغان البلاد إلى حالة استقطاب غير مسبوق يخشى معها من انفتاح المشهد السياسي على سيناريوهات سيئة أمنياً وانتخابياً.
وأتى الإعلان عن التحقيق بشأن هذا الحزب بعد دعوات متكررة لحظره أطلقها شريك أردوغان في الحكومة دولت بهجلي من حزب العمل القومي (يمين متطرف).
وبعد عملية عسكرية فاشلة لإنقاذ 13 رهينة يحتجزهم حزب العمال الكردستاني في العراق انتهت بمقتل جميع المحتجزين منتصف شباط، كثف أردوغان وبهجلي من الهجمات على حزب الشعوب الديمقراطي.
فبالإضافة إلى فتح التحقيق، باشر البرلمان التركي درس رفع الحصانة عن 20 نائباً من الشعوب.
وفي حين يقف بهجلي في مقدمة المنادين بحظر الشعوب الديمقراطي إلا أن أردوغان قد يكون المستفيد الأكبر خصوصاً وأنه يخشى خسارة السيطرة على البرلمان في الانتخابات المقبلة وفق ما يشير خبراء.
وتظهر نتائج آخر استطلاعات الرأي تآكل شعبية تحالف أردوغان مع بهجلي في ظل ظروف اقتصادية صعبة فاقمتها جائحة كوفيد-19.
ويرى غالب دالاي الباحث في مؤسسة “روبرت بوش اكاديمي” في برلين وفي مركز “شاتام هاوس” للدراسات في لندن أن “الحكومة في وضع حرج.. ولا تعرف ما الذي ينبغي عليها القيام به لقلب هذا التوجه”، مضيفا “في حال اعتبر أردوغان أن حظر حزب الشعوب الديمقراطي سيخدم على أفضل وجه معادلته الرابحة فلا أظن أنه سيواجه صعوبة في التوصل إلى ذلك”.
وأمام تلبد الأفق، يشدد حزب الشعوب الديمقراطي على قدرته على الاستمرار، وقالت برفين بولدان إحدى رئيسات حزب الشعوب الديمقراطي “هل سنتوقف عن الخوض في السياسة في حال حظر حزبنا؟ بالطبع لا. ثمة بدائل عدة”، مضيفة “في الماضي حظرت أحزابنا وأسسنا أحزابا أخرى. وفي كل مرة عززنا صفوفنا”.
وكان أردوغان قد وعد بتعزيز الحقوق السياسية ودعم ديمقراطية تعددية ضمن برنامج لاحتواء الانتقادات الغربية واستقطاب الناخبين محلياً، لكن هذه الوعود لم تخرج عن سياق الدعاية، فالمحاولات الجارية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي تفقد كل تلك الوعود مصداقيتها وتثبت اتهامات سابقة بتضليل الناخبين وخداع الرأي العام التركي والدولي.