منظومة النقل بحاجة…!
لم تعد حتميّة تحديث منظومة وسائط النقل العام مجرد فكرة أو حلم عابر، بل أضحت حاجة ضاغطة وملحة ترتقي لأول سلم الأولويات بعد الحال التي وصلت إليها من تهالك وتآكل يهدّد حياة مرتاديها، إلى جانب النقص المريع في أعدادها، ما بات يطال كرامة الناس بكل شرائحهم العمرية وأجناسهم البشرية عند مطلع كل صباح ويمعن في إذلالهم. حتى أن عمليات الصيانة والترقيع والتسكيج وتركيب القطع “المبندقة” للسيارات وفق لغة السوق لم تعد تفي الحاجة والغرض، وصار لزاماً على الدولة -التي تأخرت كثيراً- بمؤسّساتها المعنية في استنباط وتقديم الحلول والعلاجات الحاسمة السريعة بعيداً عن تصارع المصالح الضيقة وممارسة النفوذ في غير محله على حساب المواطن ووقته وأعصابه!.
نحن لا نطالب الدولة في ظروف قلّة توفر القطع وتذبذب سعر الصرف وأولويات تأمين لقمة العيش أن تقوم بدور المورد لوسائط النقل العام أبداً، بل نطالبها أن تقوم بدور الميسّر والراعي من خلال توفير التعليمات والموافقات التي تتيح للسوريين -وما أكثرهم- في الداخل والمغتربين في الخارج ولغير السوريين –لم لا؟!– توريد وسائط النقل العام بكل أشكالها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من حسابات أرصدتهم المودعة في البنوك الخارجية إلى الموانئ البرية والبحرية السورية بطرقهم الخاصة التي نثق أنهم لن يعدموا الوسيلة في تأمينها، بعيداً عن حصار قيصر وشركاه وبما يتفق مع الإجراءات والاشتراطات والتعليمات المرعية الإجراء في هذا السياق لجهة تحديد بلد المنشأ وسنة الصنع ووزن المركبة وعدد الركاب.. إلخ، وتسديد الرسوم الجمركية المعتادة –ولتكن بالعملة الصعبة- من دون أن تتحمّل الخزينة أي تبعات مالية، وسيتيح هذا الإجراء توفير موارد مالية لا يُستهان بها وسيسهم بدعم اقتصادنا الوطني، ليكون للسوق كلمته لاحقاً في تحديد أسعار المركبات وفق منظور العرض والطلب المحكوم بالمنافسة ورغبة الزبائن وملاءتهم المالية واحتياجات الأسواق.
وسنتمكّن حينها من إطفاء الحاجة المتعاظمة لتحديث شبكة وسائط النقل العام، وسنعيد للمواطن كرامته التي تهدرها حاجة النقل العام والوقوف الطويل على مواقف الباصات من دون تكليف الخزينة العامة قرشاً واحداً، كما أننا بقليل من الإجراءات المرورية البسيطة ولاسيما في المدن الكبيرة المزدحمة والمكتظة يمكننا رسم خارطة طريق متطورة لحركة سير السيارات اليومية في شوارعنا بموجب أرقام لوحاتها المفردة والمزدوجة والمناطق والأرياف المسموح الوصول إليها، لتفادي عدم قدرة شوارعنا على استيعاب زج المزيد من السيارات، وتُستثنى من ذلك بطبيعة الحال وسائط النقل العام. لأنه من غير المقبول أبداً بعد اليوم الركون لما وصل إليه النقل العام، ولا ننسى في هذا السياق إلزام شركات البولمان العاملة بين المحافظات بتحديث سياراتها وتجديدها بما يليق بإنسانية الركاب والأجور الفلكية التي يتقاضونها رغم كل المزايا والاستثناءات المقدّمة وأهمها الوقود المدعوم..
وبغير ذلك لن تستقيم حركة النقل العام ولن تعود لسابق عهدها كوسيلة حضارية كان الناس يتهافتون للفوز بمقعد في رحلاتها الممتعة، وستظل مشاهد النقل الجارحة ماثلة أمام الأعين والضمائر ومستفزة للمشاعر وضاغطة على الجميع أفراداً ومؤسسات وحكومة!.
وائل علي