عبد القادر عزوز.. تأخذ اللوحة عنده بعداً اجتماعياً وجمالياً
يشكل الحي القديم المهد الأول لطفولة الفنان عبد القادر عزوز وتنهض العلاقات بين الأسر التي تبعث في النفس مشاعر المحبة في نسيج حياة اجتماعية تشد الفرد إلى الجماعة كما لعبت البيئة الطبيعية دورها في إيقاظ مشاعر الجمال عند الفنان عزوز.
حين التحق عبد القادر بالمدرسة وجدها غنية بالنشاطات الكثيرة التي ساهمت في تكوينه. كان مغرماَ بزوايا الدفاتر وهوامش الكتب يرسم عليها كل شيء حيث تتحول إلى أشكال ورسوم، وحين افتتح مركز الفنون التشكيلية في حمص انتسب إليه عبد القادر فوجد فيه بيتاً يعلم الرسم والنحت والحفر بالإضافة إلى المعرفة النظرية.
في عام 1967 انتسب إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق فاكتشف عالماَ جديداً في عالم الفن ووفرت الكلية له عالماً غنياً من النشاط الثقافي والاجتماعي، فتفرغ للعمل الفني وتدرج من الدراسة الواقعية إلى البحث العميق الشامل، وشرع عبد القادر في معالجة الملامح الإنسانية عبر صيغ تشكيلية تميل إلى التبسيط والاختزال، وقد ترك هذا المفهوم أثره في أغلب نتاجه، لقد ارتبط الشكل الفني المبتكر بالمضمون الإنساني.
إن المعارض المتوالية التي أقامها الفنان تؤكد موقفه الثابت من المضمون الاجتماعي وقدرته المتطورة على عكس موقفه عبر أدوات تعبيرية غنية، وينبغي أن لا نغفل التجارب لدى الفنانين الكبار التي أثرت فيه يضاف إلى ذلك السفر والاطلاع على الفنون التشكيلية التي راقبها في الجزائر عندما كان يعمل في التدريس عام 1977 فقد أتيحت له زيارة عدد من الدول الأوروبية والتعرف على متاحفها، لقد استطاع خلالها أن يطلع على الفن الحديث والقديم أيضاً مما شكل عنده زاداً غنياً في تجربته التصويرية، ونستطيع أن نميز ثلاثة مواضيع دأب عليها في إنتاجه، وهي:
الاهتمام بالموضوع الإنساني والطبيعة الصامتة والطبيعة الخلوية، لكن بقي الموضوع الإنساني هو الذي يشغله، فهو شغوف في تشكيل الملامح البشرية بالصفات التشكيلية التي يعكسها من خلال التحوير والتبسيط، والبحث عن صيغ مبتكرة تنقل العمل الفني إلى عالم الروح.
يؤكد الفنان على أشكاله الإنسانية في تكوينات معمارية متجاذبة ويسعى إلى تحديد معالم الشكل من خلال لمسات لونية واضحة تفصح عن انفعالاته، أو من خلال خطوط عريضة، تقسو وتلين، تعربد وتهدأ، لتصوغ الشكل بحيوية ضمن مساحات لونية متباينة في شدتها وقتامتها. وهكذا يغدو الشكل الإنساني جزءاً من أرضية اللوحة التي هي ترجمة لمفهوم الأرض، لكن هذا الشكل الإنساني لايفصح عن كل ملامحه دفعة واحدة بل يتستر خلف الألوان واللمسات الرشيقة ليتحول إلى كائن إنساني، والإنسان عنده يميل نحو الاستطالة والنحافة، وكثيراً ما تعترض يده صدره كما في التمثيل القديمة.
تشكل الطبيعة الصامتة محوراً آخر يعزف عليه الفنان لتحقيق صبواته التشكيلية، ومع ذلك فإن هذه الموجودات الصماء تبوح بأسرار إنسانية نسمعها من خلال العلاقات المتواشجة من ضياء الألوان التي تنعكس فيها. أما مناظر الطبيعة فقد امتزجت مع البيوت الريفية البسيطة، ونحن نجد في لوحاته تعلقه بالينابيع الأولى التي استمد منها الخصائص التعبيرية، وقد حافظ الفنان على منهجه التعبيري في التصوير ومضى به نحو التطوير والإغناء.
أقام الفنان عدة معارض ويمكن أن نركز على أن الفنان يعمل خارج دائرة الضوء، يغني مواله خارج الصمت، إنه يخلص لتعاليمه الأولى التي صاغت أفكاره التشكيلية، لا يقف عندها بل يشق طريقه دون ضجيج ويتجدد باستمرار، إنه ينساب بماء عذب بعيداً عن الشوائب.
لوحته تفاعل حي بين التشخيص والتجريب، وهي تآلف جميل بين خطوط اللون والمساحة والمدلول الذي تؤديه هذه الأدوات، تارة ترى التشخيص يغرق راضياً في عربدة الألوان والخطوط والمساحة وأحياناً أخرى يظهر في أزواج تلتقي في استرخاء. إنها لاتؤدي موضوعاً اجتماعياً أو درساً أخلاقياً، وهذا ما يجعل هذا التفاعل بين التشكيل والمدلول يتآلف بشكل جميل يبلور لوحة الفنان ويجعل منها متعة بصرية تبقى في الذاكرة دون أي ادعاء.
عبد القادر عزوز يخاطب الناس هكذا منذ البدء، ولكنه يتجدد في كل مرة، لأنه لا يخون صداقته مع اللون والخط ومع اللوحة فهذه كلها بالنسبة له أولويات الحياة.
الفنان عزوز ظل وفياً للمقومات التي نهضت عليها تجربته الفنية، حاول دائماَ تطويرها وإغنائها وتصعيد قدراتها التعبيرية دون أن يقع أسير سحر التقنية الماكر أو تستهويه لعبة التجريد المتطرفة، إنه يقدم الطبيعة الصامتة التي تتحول بتثاقل إلى بيوت على الجبل ثم عتمة ثم تضيء كل الألوان.
فيصل خرتش
الف مبروك للخال الغالي ابو صبحي فانت تستحق اكثر من ذلك . فلقد عرفناك انساناً قبل ان تصبح فناناً فانت صاحب القلب الطيب والصدر الواسع ادام الله في عمرك والى مزيد من التقدم والازدهار