“أمريكا عادت” قد تكون أخطر من “أمريكا أولاً”
عناية ناصر
تمّ دفع العداء الحالي بين الصين والولايات المتحدة إلى الأمام على مدى السنوات الأربع الماضية من خلال الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية السابقة بشأن التجارة والتكنولوجيا وقضايا الصحة.
تعكسُ تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة خلال اجتماعات مجموعة السبع وفي مؤتمر ميونيخ 2021 حول الأمن الدولي فكر حملته الانتخابية: “تعزيز الروابط بين الولايات المتحدة وأوروبا من أجل مواجهة الصين وروسيا”. مرة أخرى، يبدو أننا سوف نتعايش مع ظل ثقيل لمكارثية قديمة متجدّدة خلال هذه الرئاسة القديمة الجديدة.
من بعض النواحي، فإن “الشعار” الجديد “أمريكا عادت مستعدة لقيادة العالم” يمكن أن يكون أكثر خطورة من “أمريكا أولاً”. الأول يمثل الرغبة في استعادة دور الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وهو دور تلاشى بالفعل خلال السنوات العشرين الماضية منذ تأسيس مجموعة العشرين. كما تآكل بعد الكوارث التي خلقتها العولمة النيوليبرالية بقيادة الولايات المتحدة، وتأسيس مجموعة بريكس، ومن خلال عودة ظهور دور الصين الدولي.
لقد كانت “أمريكا أولاً” محاولة للتركيز على نقاط الضعف والانقسامات المحلية “شيء لا يزال في مكانه أيام الإدارة الجديدة”، على الرغم من أنه تمّ لعبه في الخارج إلى حدّ كبير، وخاصة مع الصين. إضافة إلى ذلك، نعلم جميعاً موقف الحزبين المناهض للصين في الكونغرس الأمريكي، ونتذكر جميعاً دور بايدن، كنائب للرئيس، في إعادة التوازن لإستراتيجية آسيا والمحيط الهادئ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. لسوء الحظ، بالنسبة للأمريكيين، فإن آسيا قديمة ومتخلفة مقارنة بميزان القوى العالمي الحالي. وهنا يجب التذكير بإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، واختتام مفاوضات الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي.
في الآونة الأخيرة، أشار بايدن إلى “الإستراتيجية” الدولية للولايات المتحدة، والتي سبق شرحها في مقال نُشر في مجلة فورين بوليسي قبل عام تقريباً -آذار/ نيسان 2020- ركز خطابه في مؤتمر ميونيخ 2021 على الشراكة بين الولايات المتحدة وأوروبا لإعادة التواصل مع أوروبا لاستعادة مكانة الغرب القائمة على الثقة والقيادة.
ما هو الهدف الإستراتيجي لهذه الإرادة؟. لاشك هو مواجهة روسيا والصين، كما ورد أيضاً في خطابه في وزارة الخارجية مطلع شباط. ويشكل “التهديد من روسيا” و”المنافسة الإستراتيجية طويلة الأمد مع الصين” إشارات إلى التحالفات بين المحيطين الهندي والهادئ. فبدلاً من بناء الجسور، يجب إعادة صياغة تعددية بايدن على أنها “تعددية الأطراف الأحادية”.
تتلخص رؤية بايدن للشؤون العالمية على النحو التالي: “بناء جبهة موحدة من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة سلوكيات الصين التعسفية وانتهاكات حقوق الإنسان”، وفق زعمه، “حتى ونحن نسعى للتعاون مع بكين في القضايا التي تتلاقى فيها مصالحنا، مثل تغيّر المناخ، عدم الانتشار والأمن الصحي العالمي”.
المشكلة هي أن المصالح المشتركة لا يمكن أن تتقارب إذا تمّ تقييم الصين وروسيا على هذا النحو من عدم الاحترام ومن خلال رؤى أيديولوجية، ويجب إعادة الاحترام المتبادل. من الناحية النظرية، يمكن لأوروبا أن تساعد في إنشاء جسر بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، ولكن للقيام بذلك يجب أن يكون للاتحاد الأوروبي صوت مستقل. ولكن هذا غير محتمل، على الأقل في المدى القصير. لذلك، هناك العديد من العناصر التي تؤكد أن محاولات الولايات المتحدة للسيطرة على العالم لن تتوقف، على الرغم من أنها، مثل الاتحاد الأوروبي، يتعيّن عليها التعامل مع مزيد من التصدعات والضعف الداخلي.
وكما أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مجلس الشؤون الدولية الروسي في 8 تشرين الثاني 2020، فإن السبب الرئيسي لعدم قدرة الغرب على إيجاد توافق في الآراء مع روسيا والصين مرتبط بمحاولته الحفاظ -أو محاولة إعادة إنشاء- نظام عالمي أحادي القطب.
لقد تأكد بشكل واضح من عدم عقلانية الولايات المتحدة في التعامل مع شؤون العالم اليوم بإستراتيجية الأمس. وبحسب آراء كثير من الخبراء، فإن الوباء سرَّع من الاتجاهات الراسخة وزاد من مكانة الصين في العالم. لماذا؟ لأن الصين أثبتت حماية مواطنيها واستعادة نمو اقتصادها بشكل أفضل وأسرع من أي دولة أخرى. من الصعب العثور على التزام أمريكي حقيقي برفاهية العالم في العقود الماضية. لكن على فريق بايدن “أن يجعل التضامن” وليس “القيادة” شعاره للاقتراب من العالم.
هل ستتمكّن القوى العالمية من إيجاد إجماع دولي على التعايش السلمي؟. تظل فكرة وممارسة تعزيز مجتمع المستقبل المشترك للبشرية هي الرؤية الأكثر تقدماً والمخرج الوحيد.