بوتين والمرحلة الثالثة
هيفاء علي
مرة أخرى تخدع الولايات المتحدة وأوروبا نفسيهما من خلال فرض “عقوباتهما” الجائرة على روسيا، بحجة أنها لم تمتثل لمطالبهما بالإفراج الفوري عن العميل نافالني. ما يعني أنهما عندما عجزا عن إيجاد أسباب جديدة “للعقوبات” بالقوة، لجئا هذه المرة إلى استهداف 5 من كبار المسؤولين الأمنيين “بالعقوبات”.
من الناحية العملية، يُحظر عليهم السفر إلى أوروبا والولايات المتحدة، لكنها لا تشكل شيئاً لأن هذه الشخصيات نادراً ما تغادر روسيا، كونها تحمل أسرار الدولة، كما تم تجميد أصولهم في الخارج، وهذا الأمر بالذات يبعث على الضحك، لأنه من الواضح أن هؤلاء الأشخاص ليس لديهم حساب مصرفي أو إقامة في الخارج.
تأتي هذه “التهريجة” الجديدة مع نضوج أحداث مهمة في روسيا، مع ما يسميه البعض “المرحلة الثالثة لفلاديمير بوتين”. كان أساس “المرحلة الأولى” هو “خطاب ميونخ” الذي ألقاه الرئيس الروسي في عام 2007 أثناء رئاسة جورج دبليو بوش، عبر فيه بوتين عن الاستياء بالقول: “لقد حملنا روسيا التي كانت على ركبتيها، واستعدنا قوتها، وها نحن في كرسي جانبي في المجتمع الدولي”. إن إدراك هذا الموقف الغربي المتمثل في رفض اعتبار روسيا على قدم المساواة كان مصدر إعادة تأهيل الجيش وتطوير أسلحة لا مثيل لها في أي مكان آخر، بينما الاقتصاد ينتعش ومستوى المعيشة يرتفع بسرعة عالية. في أعقاب الانقلاب الغربي في أوكرانيا لعزل روسيا بشكل أكبر، جاءت “المرحلة الثانية” لتظهر روسيا قوتها بدعم حلفائها في نوفوروسيا الذين شكلوا جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ومن ثم إعادة عودة شبه جزيرة القرم الى روسيا بعد الاستفتاء الذي طالب بذلك.. منذ عام 2014، اتخذت حقبة بوتين شكل حركة مناهضة لليبرالية بشكل أساسي في روح الصراع النشط مع الدول الغربية، مما أدى إلى مضاعفة الاستفزازات و “العقوبات” بجميع أنواعها ضد روسيا. ومع ذلك، استطاعت هذه “المرحلة الثانية” أن تزدهر بشكل خاص بفضل ضعف الدول الغربية حيث ليس هناك أي رئيس، لا أوباما ولا ترامب ولا أي رئيس غربي آخر، لديه الإرادة والقوة لمعارضة روسيا إلا بالأقوال أو الإجراءات الاقتصادية التي ساعدت روسيا على تعزيز تنميتها بدلاً من إضعافها. لقد سمح الغربيون لروسيا في ظل غياب الوحدة والإرادة الحقيقية، بمواصلة تأكيد امتيازاتها، وذهبوا إلى حد جعل دستورها العام الماضي ينص على أن القوانين الدولية ليس لها الأسبقية على القوانين الوطنية.
في 18 شباط، قال جو بايدن: “إن الولايات المتحدة تتشاور مع الأوروبيين بشأن فرض عقوبات جديدة مناهضة لروسيا وإن القرار لن يُعلن في اجتماع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في 25 و26 آذار، بل تم فرضها مؤخراً أي في النصف الأول من شهر آذار. كما هدد بشن هجمات ضد روسيا في أعقاب هجمات الكمبيوتر الروسية، حسب زعمه، ضد الولايات المتحدة. بعد أيام قليلة، شن عدوانا على الحدود السورية-العراقية، وفي الوقت نفسه، صعدت القوات الأوكرانية مناوشاتها في نوفوروسيا وتستعد، وفقًا للمعلومات المحلية، لشن هجمات عسكرية مباشرة هناك. هذا بالطبع بمساعدة الناتو، أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال تشكيل “محور الديمقراطيات” الجديد فوق المؤسسات الدولية، تحالف جديد من الدول التي تزعم أنها تدافع عن الديمقراطية الليبرالية، وتعتبرها مهمة تاريخية. وبحسب مراقبين، وبالنظر إلى أن هذه “الديمقراطيات”، في رأي بايدن والزعماء الأوروبيين، تعارض روسيا بشكل أساسي، فمن الواضح أن هناك مرحلة جديدة هي “المرحلة 3″، ستبدأ في روسيا حيث يكون للسياسة الدولية عواقب على سياسة محلية. على سبيل المثال، مكنت “العقوبات” والحظر المفروض على استيراد المنتجات الأجنبية روسيا من إنعاش الإنتاج المحلي بنجاح كبير في العديد من المجالات، وبالتالي خلق فرص عمل كثيرة.
في اليوم التالي لتصريحات بايدن، كان فلاديمير بوتين يتحدث خلف الأبواب المغلقة أمام كبار قادة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، داعياً لزيادة التعبئة في مواجهة عداء الغرب، والعمل على احتواء السخط بسبب عواقب جائحة كورونا العالمية، بحسب المصادر الروسية.
لا شك بالطبع في الحديث عن “الستار الحديدي” الجديد بين روسيا وأوروبا، بل عن “الستار الأيديولوجي” الذي سيتم نشره ليس لمنع الروس من المغادرة، ولكن لمنع الغربيين وأيديولوجيتهم المقززة من “التلوث”. من المؤكد أن روسيا لن تستسلم في أي مجال يتعارض مع مصالحها الوطنية، مهما كانت “العقوبات”.
وسوف يتذكر الجميع أن فلاديمير بوتين قال في معرض ندوة دولية أنه عندما كان طفلاً في سانت بطرسبرغ تعلم أنه عندما يصبح من الواضح أن العدو على وشك أن يضربه، فمن الأفضل أن يضرب أولاً. وقد تُرجم هذا في الأيام الأخيرة في العديد من الخدمات الفيدرالية إلى “خارطة طريق” واضحة جداً: “استعدوا لضرب الغربيين، إذا لزم الأمر، كن مستعداً للضربة أولاً”.