عشية العام الحادي عشر.. تحديات الأزمة السورية ومآلاتها
أحمد حسن
حين تفتتح واشنطن العام الحادي عشر للحرب على سورية، وفيها، بـإعلان “طموحها” بـ “عشرية” خراب جديدة عبر “تطمين” حلفائها / أتباعها بقرار إبقاء احتلالها العسكري لـ “مدة مفتوحة”، والاستمرار في سياسة العقوبات الاقتصادية الجائرة واللاشرعية. تصبح مسارعة “الاتحاد الأوروبي” للإعلان عن نيته “تجديد العقوبات على سورية في نهاية أيار المقبل” تحصيل حاصل لتابع لم يعد له مكان في “اللعبة” الدولية خارج الطاولة الأمريكية رغم فداحة ما دفعه ويدفعه من رصيده الحضاري والتنويري المزعوم – وحتى السياسي المصلحي – جراء ذلك.
وبالطبع لا يهتم الطرفان، الأمريكي والأوروبي، بكون إجراءاتهما السالفة الذكر غير شرعية وخارجة عن منطوق ومقاصد القانون الدولي، ولا بكونها تمثّل جرائم حرب موصوفة وفق هذا القانون باعتبارها إبادة جماعية علنيّة – وقد دفعت أوروبا، للمفارقة، ثمناً بشرياً واقتصادياً هائلاً لترسيخه – لأن ما يعنيهما فعلياً هو “الاركاع والاستتباع” وذلك عبر دفع الدولة السورية إلى الانهيار، وجغرافيتها ومجتمعها إلى التشظّي، وهو ما يتجلى فعلياً بتحديد واشنطن لمنطقة شرق الفرات كمكان لبقائها العسكري المفتوح، وما يؤكده أيضاً رفض الاتحاد الأوروبي القاطع لالتزام الدولة السورية بالمسار الدستوري الداخلي واستحقاقاته المحدّدة بمواعيد ثابتة، سعياً منهما، بالمحصلة، للإيحاء بأنها دولة فاشلة لا بد من وضعها تحت الوصاية الدولية المعروفة النتائج والمآلات.
وبالطبع، أيضاً، لم يكن لواشنطن وبروكسل أن تبدوا بهذا الفجور العلني لولا ارتكازهما على حوامل عدة يتعلق الخارجي منها بموقع واشنطن وحساباتها المعقدة في سياق صراعها المصيري على قمة العالم، وفشل أوروبا المزمن بالخروج من دور التابع لها، فيما يرتكز الداخلي على ثلاثة حوامل تبدو متناقضة ظاهرياً وإن كانت متوافقة موضوعياً، أولها استمرار البعض في رفضه للحلّ السياسي الداخلي مراهناً على عودة ميمونة على “الدبابات” الأمريكية كما في الحالة العراقية، وثانيها، الإرهاب المسلّح المتمثّل بـ”داعش”، وأشقائه، والمستند، نظرياً وعملياً، إلى ارتكاسات متعددة لظواهر تاريخية إشكالية لا زالت تتحكم بالعقل الماضوي، وثالثها، ميليشيات سياسية عسكرية، كانت، يوماً ما، ذات توجّه يساري أممي ثم أضاعت، كغيرها من أشباهها، البوصلة حين لوّحت لها واشنطن بوهم لا يقرّه تاريخ ولا تضمّه جغرافيا.. وهم أعماها عن حقيقة أنها ستكون لاحقاً، كغيرها من “العراة” المتغطين بواشنطن، مجرد قرابين وأضاح في حساب الأحجام الدولية ولعبة الأمم القاتلة.
ولأن سورية لم تسقط، ولم ترضخ، خلال “العشرية” الماضية من الحرب، والتي استخدمت فيها الوسائل العسكرية المباشرة وغير المباشرة والأدوات الإرهابية الأممية في الوقت ذاته، يبدو أن الطور القادم من المعركة ضدها سيكون علنياً من الأصيل مستخدماً مزيجاً من الأساليب المتنّوعة بهدف التقسيم الجغرافي والمجتمعي – ذلك مثلاً هدف الحصار الاقتصادي الجائر لمناطق سيطرة الدولة وما يرافقه من محاولة بناء أنموذج مختلف في أماكن “البقاء” العسكري الأمريكي المفتوح – والمحصلة، إخراج سورية من جلدها المعتاد والمعروف وسلبها موطن قوتها ودورها لتتحوّل إلى بلد تابع على النمط العربي المعهود حيث يمكن لموظف صغير في الخارجية الأمريكية تغيير الرئيس والحكومة معاً حين، ومتى، شاء ذلك.
بهذا المعنى، لا تشي المؤشرات الأولية المساعدة لقراءة صورة “العشرية” القادمة بالخير، بل إنها تشير لتراكم المزيد من إنذارات التأزيم في المرحلة المقبلة التي ستكون، بالتالي، “حاسمة وصعبة”، وإذا كانت أساليب المواجهة مع الخارج، والإرهاب ضمنه، معروفة ومحدّدة ومفروغ منها، فإن تجربة الأعوام السابقة تعيد التأكيد على ما يعرفه كل السوريين: أولاً، يجب الاعتراف بالنتائج المدمرة لـ “العشرية” الماضية على سورية دولة وشعباً، وثانياً إعادة التأكيد على أنه لا بديل، في الداخل، عن الحوار مع كل راغب فيه وطالب له، بالتوازي مع اتباع سياسات حازمة في وجه كل من يساهم بفساده في ضرب مناعة الداخل، وصولاً إلى توافقات مشتركة تمنع “عشرية” خراب جديدة تُرسم خطواتها ومعالمها في “بيت أبيض” لم يحمل للعالم سوى السواد القاتم.