بايدن وهيبة أمريكا
ريا خوري
منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لم يتوقف الرئيس جو بايدن وإدارته عن البحث عن حلول للعديد من المعضلات والمشكلات لرأب الصدع الذي خلفته إدارة الرئيس دونالد ترامب خلال أربع سنوات داخل الولايات المتحدة ومع دول العالم.
جميع تلك التحركات تأتي تحت عنوان رئيسي وأساسي يتمثل في عودة الهيبة التي فقدت واشنطن جزءاً كبيراً منها في داخل الولايات المتحدة وخارجها. فقد كانت فترة حكم دونالد ترامب مثيرة للجدل داخلياً وخارجياً وعلى كافة الأصعدة، ولم تنته تلك المجادلات كما هو معتاد وفقد تقاليد الديمقراطية الأمريكية المتبعة. وحتى عندما خرج ترامب من البيت الأبيض بتلك الطريقة المفجعة كانت فتيلاً لأزمة حادة جداً قد تمس مستقبل أمريكا على المدى الطويل.
في الحقيقة لم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ولا في غيرها من دول العالم التي تتداول السلطة بطريقة ديمقراطية وسلمية، أن حصل ما حصل، ففي وقت قصير جداً، ومن خلال شخص الرئيس جو بايدن قام بإصدار العديد من القرارات يلغي بموجبها ما كان قد اتخذته الإدارة الأمريكية السابقة مثل عضوية الولايات المتحدة الأمريكية في منظمة الصحة العالمية، واتفاقية المناخ، وموضوع تأشيرات الدخول والهجرة إلى الولايات المتحدة، وموضوع السور مع المكسيك، ووقف العمل باتفاقية النووي الإيراني، ووقف قانون الصحة الذي كان قد أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، والانسحاب العسكري الأمريكي من ألمانيا، وبقاء القوات العسكرية في أفغانستان، والعودة مجدداً إلى العراق، والموقف من الحرب في اليمن، والتحضير لتغيير قواعد الصداقة مع الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط.
هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر التي حدثت داخل الولايات المتحدة وخارجها تطرح جملة من الأسئلة المنطقية ذات الأبعاد السياسية الكبيرة على مستوى العلاقات والتحالفات الدولية الواسعة. كما تطرح العديد من التساؤلات الدستورية في صلاحيات بايدن سواء في مجال اتخاذ القرارات والقوانين وفي تشريع القوانين الناظمة لنظام الحكم في الولايات المتحدة أو في إمكانات إلغائها وإبطالها نهائياً.
لقد كانت الاستمرارية النسبية لقرارات الدول والحكومات المتحضرة والمتقدمة واحدة مما تتميز بها عن غيرها من الدول النامية أو كما يطلق عليها دول العالم الثالث، لذا فإن ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية من مظاهر عنف وتوتر ومهاترات رافقت عملية الانتخابات الرئاسية، وما حصل من عبث وخراب داخل مبنى الكابيتول الأمريكي هي تعبير حقيقي للحضارة الزائفة التي تتشدق بها أمريكا.
ولإعادة ترتيب أولويات إدارته، ظهرت نية بايدن من خلال الاتصالات المكثفة التي أجراها مع عدد كبير من الرؤساء والملوك والأمراء وقادة الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية بعد تنصيبه، خاصة المتواجدة خارج الولايات المتحدة، بعد أن شابها الكثير من التوتر في عهد دونالد ترامب. ولعل ما قام به من التصديق على عدد كبير من القرارات لهو أكبر دليل على حجم التعقيدات التي خلفها ترامب وإدارته للولايات المتحدة، بخاصة الانسحاب من العديد من المنظمات الدولية. الأمر الذي عبر عنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن عندما قال: “إن إدارة الرئيس بايدن ستعمل بكل ما تملك من إمكانيات على افتتاح حقبة جديدة من السياسة الخارجية”.
لقد أدرك بايدن وإدارته أن علاقات الولايات المتحدة مع عديد الدول والمنظمات الدولية تركت الكثير من الأضرار خلال السنوات الأربع الماضية إبان حكم ترامب. ومن الواضح أن بايدن بدا حريصاً كل الحرص على التواصل مع الخارج عبر العديد من الرسائل التي تحمل في طياتها نوايا التهدئة. منها الاقتراح الذي قدمه بخصوص تمديد معاهدة ” نيو ستارت” للحد من أسلحة الدمار الشامل، وتحديداً الأسلحة النووية مع جمهورية روسيا الاتحادية لمدة خمس سنوات.
صحيح أن إعادة بناء العلاقات من جديد بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية سيلبي مصالح البلدين والمجتمع الدولي بأجمعه، إلا أن تحقيق ذلك سيكون صعباً جداً بسبب التراكمات التي خلفتها سياسة ترامب الخارجية. وهو ما أشار إليه الكرملين بصراحة تامة عندما أكد أن عملية عودة العلاقات بين البلدين لسابق عهدها لم يتم بحثها خلال الاتصال الأول بين الرئيسين بوتن وبايدن. هذه الملفات وغيرها لن تكون سهلة على بايدن، لكنها رغبة إدارته الجامحة في ترميم الشرخ الذي حصل بين الولايات المتحدةِ الأمريكية والعالم. وهذا يتطلب تقديم الكثير من التنازلات من أجل ضمان عودة الولايات المتحدة إلى العالم من باب التعاون والشراكة، وليس من باب الاستعلاء والجبروت العسكري والاقتصادي والسياسي.
لقد تعمقت الأزمات داخل المجتمع الأمريكي أكثر فأكثر خلال عملية الانتخابات الرئاسية، وعمقت الشرخ والانقسامات الداخلية، غير متناسين أن من انتخب ترامب وسياساته وصل عددهم نحو سبعين مليون مواطن أمريكي وهذا يدل دلالة واضحة على حجم الانقسام داخل المجتمع الأمريكي بكل تلاوينه.