حكاية الطفل البائع واللغة العربية الفصحى
حلب- غالية خوجة
تجتمعُ أسرار الانتصار وتبدو آثارها في الإنسان السوري، ومن تلك الأسرار والآثار، أن تصادف طفلاً بائعاً في الصف الأول الإعدادي يحدثك باللغة العربية الفصحى!.
تماماً، هذا ما حدث معي وأنا أمشي في منطقة الجميلية بحلب، وأصادف طفلاً يافعاً، بشوش الملامح، مطمئنَّ القناعة، يفتتح يومه ببضاعته، فأقترب منه لعلني أجد ما أشتريه، وأكلمه بالفصحى ناسية نفسي، كالعادة، خارج اللهجة، فيجيبني، أيضاً بالفصحى التي لا تشوبها زلّة، مما أثار فضولي لأسأله عن نفسه، فأخبرني أنه في الصف السابع، ويساهم في إعالة عائلته، وهو يحب اللغة العربية والقراءة والأهل والأصدقاء والوطن. فسألته إن كانت لديه موهبة الكتابة أو الرسم أو الموسيقا؟.
فأجابني: ربما أحقّق أحلامي لاحقاً. حينها، سألته: هل تسمح لي أن أصوّرك؟. ففرح موافقاً، وبعدما التقطت له الصورة، أكملت معه الحوار السريع، وأخبرته بعدة فعاليات ليزورها منها معرض شهر الكتاب السوري، وحضور بعض الأمسيات في المركز الثقافي واتحاد الكتّاب العرب.
ببسمته الخارجة من ازدحام المعاناة، أكد الطفل جمال: سأفعل إذا استطعت.
وقبل أن أغادر، طلبت منه أن يستمر في الحديث مع الناس باللغة العربية الفصحى، فوعدني بذلك وهو يبتسم مؤكداً أنه سينفّذ الوعد. كانت أشعة الظهيرة تتحدث بالفصحى أيضاً، ولم يكن لدى الناس وقت ليستمعوا لحكاياتها الكثيرة وهي تتوالى مشهداً درامياً، ومشهداً تراجيدياً، ومشهداً كوميدياً، وكأن المدينة منصة لتحولات “المضحك المبكي” المتناسلة حكاية من حكاية، إلاّ أنها تلتقي جميعاً في خندق القلعة معلنة التحدي والانتصار.