نقدٌ أم هَبَل؟!
عبد الكريم النّاعم
مسألة بعض النّقد الحديث، ولاسيّما في الشعر هي مسألة معقَّدَة، ومُركّبة، فأنت تقرأ ولا تستطيع أن تنكر أنّك تقرأ بلغة عربيّة، بيد أنّ المسافة بين ما نقرأ، و.. فهمنا للمقاصد هي من العُقد التي ما زالت قائمة رغم كلّ ما كُتب عنها، ولعلّ من أبرز مَن تصدّى لهذا الموضوع الدكتور عبد العزيز حمودة في كتابه عن “المرايا”، ولعلّ من أهمّ ما طرحه أنّه وهو الدكتور الأكاديمي كان يقف أمام بعض النصوص فيتّهم نفسه بالجهل، لأنّه لم يستطع الوصول إلى مقاصد النصّ، ولقد تعرّضتُ لهذه المسألة في كتابي “شرفات للشعر والثقافة” الصادر عن الهيئة العامّة السوريّة للكتاب– وزارة الثقافة عام 2020.. تعرّضتُ لها في أكثر من مقالة، لسخونتها، وقوّة حضورها، ولاسيّما في الأوساط الأكاديميّة، وبسطتُ نماذج بين يدي القارئ تؤكّد ما ذهبتُ إليه، ورغم أنّ الكلام في هذا يمكن أن يمتدّ ما امتدّ حضور ذلك النّقد الجاف الذي لا روح فيه،.. ينطلق متعرّضاً للشعر الذي لا يصدر إلاّ من أعماق الروح، ومن مناطق توقها اللاهب، وحنينها الذي لا ينقطع إلى عوالم قد لا تعرف عنها شيئاً، ولكنّها لصيقة بتلك الأعماق، منتسبة إلى ذلك اللّوَبان الكونيّ، من تنفّس عبير أوّل زهرة سبقت في الربيع إلى الباذخ من مجرّة تتشكّل في ذلك الأفق الذي لا ينتهي.
لستُ أريد التوسّع ولكنّ الذي حرّضني على هذه الكتابة أنّني قرأت على صفحة التواصل الاجتماعي كلاماً للشاعر الرقيق، المتميّز محمد علي خضور، والذي تعرّفنا عليه شاعراً مُكتمل الشاعريّة في حمص دون مقدّمات، ودون بدايات، إلاّ إذا كان قد أخفاها عنّا، ولم ينجرّ إلى نشر الفطير من شعره، فوقف على منابر الشعر في حمص شاعراً، ربّما أثار غبطة لدى البعض، وحسَد البعض الآخر، وله أفقه الشعري الخاص، والذي تفرّد به،.. هذا الشاعر كتب على صفحته ما يلي:
“إنّ ولوج عتبات النصّ الشعري بما يَكْتنه الدلالة الشاخصة في أنساق معرفيّة ذات توجّه أبستمولوجي شديد التّماهي في الأطر الواقعيّة في محاولة لبثّ أصداء الماضي في غلاف حيويّ ينظر للواقع ويطرح الحلول بما يؤسّس لمستقبل شعريّ حداثويّ لا ينبتّ عن التّراث ولا يستغرق فيه فتأتي النصوص الحقيقيّة المُعبِّرة عن هذا النّسق مُكتنزة بالتوتّرات الدلاليّة التي تتماهى مع فاعليّة اللّغة بما تملكه من دوالّ ومدلولات مُتعالقة من أجل استشراف رؤى ماثلة في خطاب معرفي مُغاير للسائد لكي ترتبط به من خلال خيوط شفيفة تستدعيه وتُواريه في آن معاً”.
حين قرأتُ هذا النصّ وقفتُ شبه مَبهوت، أهذا كلام يقوله من ذكرْتُ وجهة نظري في شعره المرهف الجميل، وتساءلتُ تُرى كم عكف على قراءة الكتب النقديّة الحديثة الحداثيّة، ووقفتُ كما وقف الدكتور عبد العزيز حمّودة أتّهم نفسي بأنّني عاجز عن فهم مثل هذا الكلام، والصياغة أعلاه له، والتي نشرها دون فواصل بل تركها (متعالقة)، ولا أقول (مُتعانقة) إذ لا شيء فيها من دفء العناق، ولا أكتمكم أنّني قلت في نفسي كلمة تُقال في قُرانا، حين يصدر شيء غير جميل من رجل مشهود له بالأفعال الجميلة، يقولون: “خاس العجي”، غير أنّ ما أثلج صدري تتمة كتبها فجاء فيها:
“ملاحظة: هادا الخْواتْ والهَبَل اللي ارتكبته أعلاه نموذج عن النقد العربيّ الحديث جدّاً جدّاً جدّاً، والذي ينتشر ويُنشر في الدّوريات والكتب، والله وليّ التوفيق”..
لا أدري لماذا نفهم ما قاله الأقدمون من النقاد العرب، والذي كتبه أدباء ونقّاد ما سُمّي بعصر النّهضة، بل وبعض ما كتبه الكثيرون من نقّاد الشعر الحديث ممّن عاصرناهم، ونقف عند نقد البعض ذات الوقفة التي وقفها صديقنا محمد علي الخضور؟!!.
أعتقد أنّ المسألة تحتاج إلى مراجعة جديّة، ولاسيّما لدى الأكاديميّين الذين يدرّسون مادّة النقد، فقد طغت موجة المعميّات لدرجة أصبحنا نتساءل فيها: “أين هو النّقد الجمالي تحديداً..”؟.
aaalnaem@gmail.com