أوضاع فنية متدهورة ومفاصل عمل رثة.. دوري الدرجة الأولى لكرة القدم بحاجة إلى “نفضة” شاملة وتغيير نوعي
“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار
بلغ دوري الدرجة الأولى لكرة القدم دوره الثاني بمشاركة ثمانية فرق سيتأهل منها فريقان إلى الدرجة الممتازة عبر دورين فقط، وفق النظام الجديد الذي سيمنح بطاقة التأهل للفريق الأفضل لدوري الكبار عبر تصفيات تمر بثلاث مراحل.
هذا ما يخص الفرق المتأهلة وهي ثلث فرق الدوري، بينما تودع بقية الفرق وعددها ستة عشر الموسم مبكراً، وهنا المشكلة، لذلك يتركز الحديث دائماً عن جدوى الدوري وأهميته وضرورة الاعتناء به باعتباره الدوري الرديف الثاني للدوري الممتاز، وهذا ما يفترض أن يكون دوره ليكون مفرخة للمواهب والنجوم ومصدراً للاعبين.
لكن الحقيقة غير ذلك، فالدوري هذا ليس أكثر من “بريستيج” لاتحاد كرة القدم يشارك فيه من هب ودب دون أي دراسة علمية أو عملية، ودون أية مقومات وإمكانيات؛ والمشكلة الأكبر أن أغلب الفرق هذه تطلب مسابقة على مقاسها، أي إنها هي من تضع نظام المسابقة وهي من تقرر شكلها، وكانت لجنة المسابقات قررت شكلاً جديداً للدوري ووضعت برنامجه بعد أن وزعت الفرق الـ 24 على مجموعتين جغرافيتين، شمالية وجنوبية، لكن أغلب الفرق اعترضت بسبب التكاليف المالية وتخفيفاً للنفقات وابتعاداً عن مشاق السفر وغيره.
أعداد فضفاضة
العدد الكبير للأندية المحشور في دوري الدرجة الأولى ويبلغ 24 فريقاً ليس له إلا هدف انتخابي بحت، فهذا العدد يشكل بحدود ربع الأصوات الانتخابية، لذلك فإن اتحاد كرة القدم حريص دائماً على وجودها ضمن قائمة المسابقات، مع العلم أن أغلب هذه الأندية لا يملك أي مقومات رياضية وليست كروية، ونحن دوماً نسأل ما الهدف من هذا الدوري بشكله الحالي؟
من ناحية عدد المباريات، تلعب الفرق وسطياً بحدود عشر مباريات، وهذا الرقم لا يمت إلى كرة القدم بصلة ولا يطورها، وحسب خبراء كرة القدم فإن المعدل الوسطي لأي فريق لأداء المباريات بالموسم الواحد هو خمسون مباراة، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن ثلثي الفرق موسمها لا يتعدى الأربعة أشهر ونضيف شهرين لباقي الفرق فهذا يعني أن الفرق تنام نصف عام وتصحو بنصفه الآخر.
فاستمرارية الفرق على مدار العام تأذن لها بالتطور والتقدم، لذلك ومنذ عقود نجد أن الفرق المتأهلة من الدرجة الأولى إلى الممتاز لا تفلح في البقاء بالدوري ولو أمضت موسمين أو أكثر لأنها لا تملك مقومات كرة القدم ولا تقوى عليها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر فرق حرفيي حلب والنضال والكسوة ومصفاة بانياس والمحافظة والجزيرة والجهاد وسابقاً شرطة حلب وعفرين وغيرها كثير.
مقومات وإمكانيات
إذا استعرضنا فرق الدرجة الأولى فإن أغلبها بلا مقومات أو إمكانيات، فبعضها لا يملك منشأة وبعضها لا يملك ريوعاً استثمارية تغطي نفقات الدوري الكثيرة، لذلك نجد أن أغلب الفرق تعاني الأمرين من أجل استجداء المال من هنا وهناك من أجل تغطية النفقات الضرورية والكثير من هذه الفرق لا تقدم للاعبيها أي أجور ولا تجري معهم أي عقود لضعف السيولة المالية أولاً ولأن الدوري هذا يعتبر دوري هواة.
وإذا أردنا الحديث عن الفرق المشاركة هذا الموسم فإننا نوزعها على عدة طوابق، منها من يملك الخبرة والمال والاستثمار ومنها من يملك جزءاً منها وقسم أخير لا يملك شيئاً.
الفرق التي تستوفي الشروط آنفة الذكر هي فرق المجد والمحافظة والنواعير والجزيرة فقط، وهناك فرق يمكن أن يتحسن واقعها لاعتبارها تمثل وجه المحافظة أو المدينة كفريق العربي “السويداء”، والجهاد “القامشلي”، وعفرين “عفرين”، والشعلة “درعا”، واليقظة “دير الزور”؛ وهذه الفرق يمكن أن تكون أكثر من غيرها مؤهلة لتكون عماد دوري الدرجة الأولى وبعضها يمكن أن يصمد بالممتاز شرط توفر قيادة كروية خبيرة ومبلغ يقترب من المليار، وها هو رئيس نادي حرجلة يصرح بأن نفقات فريقه قاربت السبعمئة مليون ليرة ولم ينته الدوري بعد!
أما بقية الفرق فهي تفتقد لأدنى المقومات بشكل أكيد، ولو بقيت عمراً في هذا الدوري ومنها فرق ريف دمشق: جرمانا وقارة والنبك والضمير ومعضمية الشام، وفرق قمحانة وشرطة حماة وعمال حماة ومورك “حماة”، والمخرم “حمص”، والنيرب “حلب”، ومصفاة بانياس “طرطوس” والتضامن “اللاذقية”، وعامودا “الحسكة”، أما فريق النضال فهو يملك كل شيء إلا العمل بكرة القدم لذلك هبط إلى الدرجة الثانية.
لذلك، وكما نعرف مؤهلات هذه الأندية، فإننا ندرك حجم المعاناة التي تتحملها كرمى عيون كرة القدم وحبها الجارف لهذه اللعبة التي تستولي على قلوب الناس؛ ونحن هنا لا نطالب بإلغاء كرة القدم في هذه الأندية إنما نطالب أن يضم الدوري الفرق القادرة على تقديم كرة جيدة ضمن مقومات معقولة، وذلك بحثاً عن تطوير الكرة، لا عن السير بها في الاتجاه المعاكس.
ولكي نعطي دليلاً واقعياً على صدق كلامنا فإننا نجري مقارنة بين فرق الموسم الماضي التي وصلت إلى الدور الثاني والموسم الحالي، فنجد الآتي:
في الموسم الماضي وصل إلى الدور الثاني فرق حرجلة والمجد والمحافظة واليقظة، وهذا الموسم لم تتغير الفرق باستثناء أن حرجلة صعد للممتاز ودخل العربي بديلاً عنه، أي إن الفرق “مكانك راوح”، ولا تغيير مطلقاً فيها، ولا يمكننا القول إن هذه الفرق تطورت لأنها جميعاً خرجت من مسابقة الكأس من المباراة الأولى.
وفي المجموعة الشمالية، وصلت إلى الدور الثاني فرق النواعير والجزيرة وشرطة حماة وعفرين: النواعير كان مكان الحرية الصاعد إلى الدرجة الممتاز وهو والجزيرة الهابطان من الدرجة الممتازة في الموسم الماضي، وبقي شرطة حماة وعفرين مكانهما، والتغيير الوحيد أن التضامن تراجع مستواه كثيراً بعد أن وصل الموسم الماضي إلى هذا الدور، وكان قاب قوسين أو أدنى من التأهل إلى الدرجة الممتازة.
وبهذه النظرة العامة، نجد أن هذا الدوري ثابت في مكانه، فلا جديد فيه، والفرق تشارك فيه من أجل المشاركة فقط: الهابط من الممتاز – إن كان يملك مقومات، أو بعضها – يعود إلى الدرجة الممتازة، وبقية الفرق يكفيها شرف المشاركة في هذا الدوري.
لاعبون ولاعبون
المسألة المهمة التي ممكن أن نناقشها هي مسألة اللاعبين المنتسبين إلى هذا الدوري، وللأسف نجد فيه ثلاثة أنواع من اللاعبين: أولاً، لاعبون منتهية صلاحيتهم الكروية ولم يجدوا أي ناد في الدرجة الممتازة يحملهم، ولاعبون حصيلة ونتاج دوري الأحياء الشعبية، وقلة من اللاعبين هم متميزون أو من هذا القبيل، وبالمحصلة العامة فإن أغلب الأندية تقبل بأي لاعب يدخل ناديها بشروطها والمهم عندها أن تغلق كشوفها وتجد من يحمل اسمها.
وعلى سبيل المثال، لم نجد فرقاً من الدرجة الممتازة تتعاقد مع لاعب من الدرجة الأولى إلا ما ندر، وهي من الحالات القليلة جداً، وقد يكون هذا اللاعب من فريق هابط.
وأغلب الأندية – بطريقة ما – تلجأ إلى الاستعارة من أندية أخرى، فتأخذ الفائض لموسم واحد، وهذا أمر – وإن كان متبعاً في الكثير من دول العالم – إلا أنه غير مجد، لأن اللاعب المعار لا يتعدى كونه ضيفاً ليس إلا، وهذه منقصة في هذا الدوري وتضاف إلى الأسباب التي تجعل منه ضعيفاً وركيكاً وغير ملب.
وربما كان اتحاد كرة القدم غير مسؤول عن هذه التعاقدات، لكنه مسؤول عن نوعية اللاعبين بطريقة مباشرة، وذلك بفرض شكل ونوع اللاعبين الذي يجب أن يضمهم هذا الدوري، وذلك بالمقترح التالي:
أولاً: يجب ألا يضم أي فريق أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا سن الثلاثين.
ثانياً: كما نعلم، فإن سن الشباب في فرق كرة القدم ينتهي عند سن معينة يفرضها اتحاد كرة القدم، وقلة من اللاعبين الشباب تجد لها مكاناً بين فرق الرجال في أنديتها، لذلك يمكن فرض سبعة لاعبين شباب على هذه الأندية ليكونوا ضمن كشوفها، وبذلك نخلص إلى الاستفادة من جيل كامل لا يضيع مستقبله الكروي بعد أن وصل إلى هذا العمر، ويتجدد دماء فرق أندية الدرجة الأولى، ويمكن حسب الاتفاق أن تملك هذه الأندية هؤلاء اللاعبين فتستفيد منهم في المستقبل بالبيع والشراء والمقايضة.
أما بالنسبة إلى اللاعبين الكبار الذين لن يجدوا مكاناً لهم – كما قلنا – فيمكن لاتحاد كرة القدم الاستفادة منهم كخبرات بمجالات مختلفة، فبعضهم قد يتجه للتحكيم أو للتدريب أو للعمل الإداري، وكما نعلم فإن العمل الإداري باتت له اختصاصات كثيرة ومتشعبة، والمهم في الموضوع أن يعتني اتحاد كرة القدم بهذا الجيل، وأن يتبناه من خلال إقامة الدورات الاختصاصية حسب ميول كل لاعب.
خلاصة القول
من الضروري – حسب ما استعرضنا من نقاط سلبية حول هذا الدوري – أن نعد له دراسة كاملة ووافية، وأن نلبسه ثوب التطور والتقدم ليساهم في رفعة كرة القدم الوطنية؛ لذلك مثلما لدينا دوري شباب كامل فيه 14 فريقاً يلعبون دورياً كاملاً، ذهاباً وإياباً، يجب أن يكون لدينا دوري في الدرجة الأولى شبيهاً بدوري الشباب؛ والفرق التي لا تستطيع الانضمام إليه لضعف الإمكانيات بإمكانها أن تلعب في الدرجة الثانية أو الثالثة حسب إمكانياتها، فمصلحة كرتنا وتطورها يجب أن تكون فوق مصلحة الجميع، وكرة القدم الهاوية لا يجب أن يكون لها موطئ قدم في الدرجة الممتازة والأولى، لذلك لا بد من تخفيض عدد فرق الدرجة الممتازة وعدد فرق الدرجة الأولى ليصبح لدينا بالحد الأعلى 24 فريقاً محترفاً، أما بقية الفرق فلتتوزع على الدرجات الدنيا.
فالدوري الحالي – بشكله الذي استعرضناه – هو أحد أبواب هدر المال العام، لأن المال الذي ينفق ويصرف ولا تتم الاستفادة منه هو مال مهدور، ولو أن هذه الأموال وضعت في غيرها من الألعاب الرياضية لأثمرت عن بطل موهوب أو بطولة تحتاجها هذه الأندية؛ ونحن نسأل أندية معضمية الشام والضمير وقمحانة والمخرم، وغيرها: ماذا تملكون من الألعاب أو الأبطال أو البطولات؟ لا نجد جواباً ساراً، لذلك فإن ما ينفق على كرة القدم لو تحول إلى المصارعة أو الملاكمة أو غيرها من الألعاب لكان ذلك أجدى وأنفع!!
والمشكلة الأهم تخص فرق الصف الأول من الدرجة الأولى التي تتنافس على الصعود إلى الدرجة الممتازة، وهذه المشكلة تقع بعد وصول هذه الفرق إلى الممتاز، فتبدأ بالشكوى والنق، وكأن وصولها هو الانجاز، وبعد ذلك فليكن الطوفان.. هذه الفرق تصطدم بالإمكانيات الكبيرة التي يتطلبها الدوري، فتجد نفسها محشورة في “خانة اليك”، لذلك فإننا ننصح الفرق التي لا تملك إمكانيات الدوري الممتاز أن تعتذر مسبقاً حتى لا تتورط وتورط الآخرين.
على المستوى الإعلامي فالدوري مغيّب إعلامياً، ولعل السبب في ذلك ضعف الأداء والمستوى؛ وقد يندم الكثير على حضور شوط في مباراة من هذه المباريات، لذلك عندما يتحسن حال هذا الدوري سنجد الإعلام يقوم بتغطية متميزة لهذا الدوري.