مجلة البعث الأسبوعية

الأمال معلقة على قانون التمويل الأصغر للتوسع بالاقتصاد الإنتاجي بانتظار إقبال المستثمرين.. المصارف ستدعم 88% من المنشآت المحرومة من التمويل حالياً

“البعث الأسبوعية” ــ رامي سلوم

في وقت يعول الكثيرون على القانون رقم 8، الخاص بإنشاء مصارف التمويل الأصغر، لجهة تمكين المشروعات الصغيرة وتوسيع رقعة انتشارها على مدى الجغرافيا السورية، لم يخف البعض هواجسهم من طول انتظار إقبال المستثمرين على الاستثمار في مصارف التمويل الأصغر الكفيلة بتأمين الائتمان المالي للمنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر المحرومة من التمويل، والتي تشكل ما يزيد على 88% من إجمالي المنشآت العاملة في سورية. ورغم توافق عديد الخبراء على أهمية القانون وفاعليته، إلا أنهم ربطوا نجاح القانون في تحقيق أهدافه بعوامل مساعدة تتصدرها رغبة المستثمرين وإقبالهم على ترخيص مصارف التمويل الأصغر، وذلك وفق ما أكدته الأكاديمية رشا سيروب، مشيرة إلى أن القانون القديم، الصادر في العام 2007، لم يحقق المرجو منه بسبب ضعف إقبال المستثمرين على ترخيص مؤسسات دعم المنشآت الصغيرة، لضعف عائديتها الربحية بالنسبة لهم، وهو الأمر ذاته الذي حصل في الصناديق الاستثمارية التي لا تزال محدودة للسبب نفسه.

وفي ذات السياق، أيد مدير عام مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مأمون كاتبة، ما طرحته سيروب، إذ أكد على أهمية التوسع في التراخيص لتحقيق الشمول المالي الحقيقي بمفهومه الواسع، لافتاً إلى أهمية رفد القانون الجديد بجملة من القوانين الداعمة، للحصول على المنافع المرجوة، متوقعاً تعديل القرار 35 الخاص بتحديد سقف تمويل المنشآت متناهية الصغر، وزيادتها إلى ما فوق مبلغ 15 مليون ليرة، لتكون قروضاً مفيدة في تطوير إنتاجية المنشآت في ظل التكاليف المرتفعة.

 

قوام رئيسي

لا شك أن مقتضيات المرحلة تتطلب الاستفادة من القانون لدعم الاقتصاد الحقيقي القائم على البنية الإنتاجية، والابتعاد قدر الإمكان عن المشاريع الريعية؛ وهنا بينت سيروب أن المنشآت الصغيرة الفاعلة والقابلة للنهوض والتوسع (كالصناعات النسيجية ودعم الابتكار وريادة الأعمال.. إلخ) هي القوام الرئيسي لدعم الاقتصاد الحقيقي، داعية إلى ابتعاد التمويل الأصغر عن الصيغة الإغاثية المعتمدة على دعم تربية المواشي، على سبيل المثال، وإخراج عائلة ما من الفقر، كونها لا تحقق البعد الاقتصادي لهذا النوع من المنشآت من جهة، ولكونها من اختصاص الجمعيات الخيرية من جهة ثانية، معتبرة أن القانون يحقق البعد الاقتصادي الحقيقي للمشروعات الصغيرة من خلال توفير مزيد من فرص العمل، ما سيدعم بدوره الأسر الفقيرة، فضلاً عن استثمار مخرجات القانون في الحد من الهجرة عبر دعم الأفكار الإبداعية والاستثمار فيها.

 

رأسمال قوي

يُعدّ تحديد رأسمال مصارف التمويل الأصغر بخمسة مليارات ليرة سورية كحد أدنى، بعداً جديداً يضاف إلى دعائم تعزيز هذا القطاع، بحيث تكون جهات التمويل قوية وقادرة على تحقيق دعم حقيقي لإحداث منشآت فاعلة؛ وهنا يبين كاتبة أن التصنيف الواضح لمصارف التمويل الأصغر، بوصفها منشآت كبرى ذات ملاءة مالية ضخمة محددة بخمسة مليارات ليرة سورية، يجعل منها مؤسسات قوية قادرة على تحقيق قيمة مضافة في الاقتصاد وآلية السوق بشكل عام وشمول عدد أكبر من المستفيدين.

بدوره، بين مدير هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إيهاب اسمندر، أن المتانة المالية لمصارف التمويل الأصغر، ستحقق الدعم المالي لنحو 88% من المنشآت الصغيرة المحرومة من التمويل في الوقت الحالي، في ظل طبيعة مصارف التمويل المخصصة لهذا النوع من المنشآت.

غير أن سيروب كان لها رأي آخر، فعلى الرغم من تأكيداتها على أهمية الرأسمال القوي للمصارف، أشارت إلى أن تحديد رأسمال مصارف التمويل الأصغر بنحو خمسة مليارات ليرة سورية يفوق رأسمال بعض المصارف التجارية العادية، والتي يقل رأسمالها عن هذا المبلغ بفعل اختلاف الظروف الاقتصادية، وبالتالي فإن ذلك يجعل من الاستثمار في قطاع مصارف التمويل الأصغر بطيئاً، ويحتاج إلى سنوات لبناء الموثوقية، والتأكد من الجدوى من قبل المستثمرين، داعية إلى ضرورة وجود سياسة تكاملية من خلال التشجيع الحكومي وتحفيز المصارف الكبرى على تخصيص جزء من محفظة القروض للتمويل الأصغر، كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، لافتة إلى أهمية أن تغطية كامل الثغرات بالقوانين الحكومية المتلاحقة، ليكون الدعم منسجماً مع تحقيق الأهداف التنموية.

 

آلية النفاذ

يمكن القول إن القانون رقم 8 سيأخذ بيد أصحاب المنشآت الصغيرة، إذ بين اسمندر أنه يؤمن لهم آلية النفاذ إلى القروض، مع لحظ الصعوبات وتذليلها من خلال الإعفاء الكامل من الرسوم والضرائب، وحتى من جهة الطوابع وغيرها، ما قلص نفقات الإقراض التي ستصب بدورها في صالح تعزيز الإنتاج، مشيراً إلى أن أن 88% من أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، يعتمدون على مدخراتهم الشخصية، أو الإقتراض من المرابين، للتمكن من توسيع أعمالهم، لعدم قدرتهم على الحصول على التمويل المصرفي المطلوب.

وأوضح اسمندر أن أصحاب المنشآت الصغيرة، بشكل خاص، لا يمتلكون غالباً الملاءة المالية اللازمة للتمكن من الإقتراض من البنوك، مثل حجم حركة الأموال في الحسابات المصرفية، فضلاً عن السمعة في السوق، وغيرها من متطلبات قروض المصارف، لذلك غالباً ما تُردُّ طلباتهم بالإقتراض بالرفض من قبل المصارف لعدم مطابقتها للشروط المطلوبة، مشيراً إلى أن هناك مصرفاً واحداً يتعاون مع الهيئة في منح قروض المنشآت الصغيرة، بينما تحجم بقية البنوك عن ذلك؛ كما أكد اسمندر على أهمية القانون في الإشارة إلى المنشآت متناهية الصغر، والتي كانت لا تستطيع الحصول على تمويل وقروض البنوك بفعل عدم توافقها مع شروط الإقراض.

ولعل أبرز نقاط قوة القانون تتمثل بأنه يضم جملة من البنود الداعمة – حسب تأكيدات سيروب – لا سيما لجهة التكاليف، مشيرة إلى أن وضوح أثره، وتسريع مفاعيله الإيجابية بحاجة إلى جهد حكومي منسجم، وتعليمات تنفيذية مدروسة.

في حين لفت كاتبة إلى نقطة هامة في هذا القانون مفادها أنه للمرة الأولى يتم ذكر المشروعات أو المنشآت متناهية الصغر صراحة في تشريع قانوني من هذا المستوى، معتبراً أن تمكين هذه المنشآت من الحصول على الدعم الائتماني سيعزز موقعها ويساهم في تنميتها وتوسيعها، ما سيضيف بعداً إيجابياً حتى بالنسبة للمؤسسات المعنية، ومنها مؤسسة ضمان مخاطر القروض، فهي تعني بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولا يشمل عملها المنشآت متناهية الصغر التي لحظها القانون الجديد، خصوصاً من ناحية جملة “بضمان أو بدون ضمان” الموجودة صراحة في القانون. وأضاف كاتبة أن مرابحة القروض قد تكون أعلى بشكل بسيط بالنسبة لمصارف التمويل الأصغر عن المصارف التقليدية، غير أنها لا تصل إلى تكاليف القروض العادية من ناحية الرسوم وغيرها، فضلاً عن توافرها لأصحاب المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة، وتمكينهم منها.

 

دور حيوي

قد يتراءى للبعض أننا نناقش موضوع منشآت صغيرة لا حول لها ولا قوة، غير أن الأرقام والإحصاءات الواردة تؤكد خلاف ذلك، من حيث حجم القطاع ومساهمته في الناتج المحلي، ودوره الاقتصادي المؤثر في الاقتصاد القومي، إذ أوضح اسمندر أن قطاع المنشآت الصغيرة له دور حيوي بالغ في الاقتصاد المحلي، وتشكل إنتاجيته نحو 98% من الصادرات، ويضم 57% من قوة العمالة، ويشكل 41% من الناتج المحلي الإجمالي، متوقعاً أن يرتفع حجم القطاع ويتوسع بعد تفعيل القانون الجديد.

فيما اعتبرت سيروب أن المنشآت الصغيرة هي عماد الاقتصاديات الكبرى في العالم، ومنها الصين، لافتة إلى أهمية الانطلاق بالقطاع إلى أفق جديد يرفع من تأثيره الفعلي من حيث تأمين الاحتياجات الصناعية الفعلية، ذات القيمة المضافة، كما أن للمنشآت الصغيرة، في حال تعزيزها، دوراً مهماً في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والاكتفاء الذاتي، فضلاً عن المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، وزيادة المنتجات وتنوعها، منوهة إلى أن المنافسة هي المؤثر الأكبر في تحسين الإنتاج، وصحة التسعير، فضلاً عن دور القطاع في توفير فرص عمل تلقائية بفعل زيادة التنمية، ودوران عجلة الإنتاج، وركزت سيروب على فتح القروض للابتكار، والأفكار الإبداعية ودعم الشباب، لاستدراك ما خسرناه، خلال سنوات الحرب الماضية، من القوة الشبابية، والمنتجات والخدمات الإبداعية الابتكارية.

 

مورد للقطع

وبالنظر إلى ما سبق، يتوقع أن يكون للمنشآت الصغيرة دور في تعزيز الصادرات، وبالتالي إدخال القطع الأجنبي، وهو العامل الهام في استعادة قيمة الليرة السورية، التي ستبقى الإجراءات لكبح خسائرها قاصرة من دون وجود طريقة لاستعادة القطع الأجنبي المفقود، أو المتقلص حالياً. وفي هذا الإطار، دعا كاتبة إلى إيجاد آلية لتصدير منتجات المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة بشكل مباشر، لافتاً إلى أن منتجات تلك المنشآت يتم تصديرها عن طريق تجار يشترونها من السوق المحلي، وبالتالي فإن منافع التصدير تعود على شريحة أخرى غير الشريحة المنتجة، على الرغم من فاعلية العملية في تصريف الإنتاج، مؤكداً أن رعايتها وتأطيرها سيدعم عمل المنشآت الصغيرة، وعائديتها الاقتصادية للتوسع.

مدير عام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، ثائر فياض، بين أن مشاركة الهيئة ضئيلة في مجال المنشآت الصغيرة، كونها ليست في نطاق عملها الأساسي، لافتا في الوقت نفسه إلى أن سقف الدعم المتاح للمشاريع الإنتاجية عموماً هو 500 مليون ليرة؛ وأكد فياض أن الهيئة تتواصل مع أصحاب الحرف والجمعيات الحرفية لدعم الراغبين في المشاركة في المعارض المحلية، من خلال تأمين جناح مجاني لها، لدعمها في تسويق منتجاتها؛ كما أعلن عن إطلاق دبلوم التصدير الاحترافي لتعزيز الفهم والتوعية بأساسات التصدير، مشيراً إلى أن الهيئة بصدد التواصل مع الجمعيات والنقابات الحرفية لدعوة أصحاب المنشآت، أو ترشيح من يرونه مناسباً للاستفادة من الدبلوم المجاني، وفتح الطريق أمام تلك المنشآت لتصدير إنتاجها بنفسها.

بدوره، بين اسمندر أن صادرات المنشآت الصغيرة غالباً ما تتم عن طريق الشركات التجارية التي تشتري منتجاتها وتصدرها، مبيناً أن فتح المجال لتلك المنشآت للائتمان المصرفي سيعزز نوعية الإنتاج ويزيد الإقبال العالمي على منتجاتها، خصوصا من دول الجوار.

 

التعثر

يفرض التعثر نفسه كأهم العوائق التي تمنع البنوك والمؤسسات المالية من التوجه لإقراض أصحاب المنشآت الصغيرة عموماً، والمتناهية الصغر على وجه الخصوص؛ وفي هذا الخصوص، أشار مأمون كاتبة إلى أن المنشآت متناهية الصغر والصغيرة هي الأقل تعثراً، بفعل مشاركة العميل في جزء من القروض في الوقت الحالي، والتي تصل إلى 30% من التمويل، وقد تكون هذه القيمة هي كل ما يملكه صاحبها، ما يجعله حريصاً على نجاح المشروع، إضافة إلى حرص هذه الشريحة على سمعتها بشكل كبير، خصوصاً أنهم ليسوا من أصحاب الخبرات المالية والقانونية، بل هم في الغالب أشخاص راغبون في العمل وتحسين دخل أسرهم ومعيشتها، ولا يرغبون على الإطلاق في مشكلات مالية.

ولفت كاتبة إلى بعد آخر مهم قد لا يدركه غير المتواصلين مع أصحاب المنشآت الصغيرة بشكل فعلي، وهو الخجل الاجتماعي، فغالباً ما تكون قروض المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة بضمانات اجتماعية في الأحياء والقرى، وغالبيتها من النساء بالنسبة للمنشآت متناهية الصغر، كما أن المؤسسة تعمل مع المؤسسات الشريكة على تدريب المتقدمين ودراسة جدوى المشروع، وتوجيهه إلى الطريقة الأمثل للعمل لضمان تقليص المخاطر.

واعتبر اسمندر إحجام البنوك عن إقراض أصحاب المنشآت الصغيرة أمراً غير مبرر، مؤكداً أن أصحابها جادون في العمل، ويحققون تنمية منشآتهم بخطوات تدريجية تتوافق مع اتساع أعمالهم، كما أنها مصدر رزقهم الوحيد الذي يشرفون عليه بأنفسهم، ولذلك تكون عوامل المخاطرة قليلة للغاية.