عمرو علي: نحن جيل شاب يسعى لتحقيق ذاته رغم صعوبات الإنتاج ونجاحنا في تقديم سينما مختلفة يحتاج إلى وقت
“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس
كان الإخراج مقصده منذ البداية، ومردّ ذلك انتماؤه لعائلة فنية تضم مخرجاً معروفاً هو الراحل حاتم علي، لذلك تفتّح وعيه منذ الصغر على التلفزيون والسينما، وتعززّ الشغف الذي تولّد بداخله من خلال قراءات متنوعة ومحاولات خجولة وهاوية لصناعة الأفلام القصيرة، وكل ذلك دفعه – فيما بعد – لحسم القرار بالسفر لدراسة السينما في المعهد العالي للسينما في القاهرة.. واليوم، يستعد المخرج السينمائي عمرو علي لتصوير فيلمه الروائي الطويل الأول “مرور”، كما يعمل على فيلمين آخرين: الأول عبر المؤسسة العامة للسينما كأول تعاون معها، والثاني مع إحدى شركات القطاع الخاص، وهو ما يتقاطع مع طموحه في تنشيط الإنتاج السينمائي والسعي لإيجاد آفاق جديدة لتوزيع الأفلام المحلية وانتشارها.
ما بين الهواية والدراسة الأكاديمية.. ماالذي تغير في نظرتك؟
تغيّرت أمور كثيرة، فالهاوي يُقدم على العمل السينمائي مدفوعاً بشغفه وحماسه، وهما أمران مهمان، ولكن الأهم هو تكاملهما مع الدراسة الأكاديمية التي تضيف لتجربته من تجارب الآخرين، وتكسبه مزيداً من الوعي والإلمام بتاريخ وأصول وآفاق الصناعة السينمائية.
أي تحدّ واجهتَه حين نال فيلم تخرجك “الغيبوبة” العديد من الجوائز العالمية؟
النقطة الأساسية هي السمعة التي اكتسبها “الغيبوبة”، من النادر أن يشقّ مشروع تخرّج طريقه للمشاركة في المسابقات الرسمية لمهرجانات كبيرة، كأيام قرطاج السينمائية، ثم تكللّ رحلته بأربع جوائز، أهمها جائزتا أفضل فيلم قصير في مهرجان “مالمو” للسينما العربية، ومهرجان روتردام للفيلم العربي، وهما من أكبر وأعرق مهرجانات السينما العربية التي تُقام في أوروبا، لذلك كان مدهشاً بالنسبة إليَّ أن ينافس مشروعي ضمن هذه المهرجانات وينتزع جوائز مع وجود أفلام أخرى لسينمائيين مخضرمين، وكان ذلك بمثابة إشارة على تميّز الأسلوب الذي اتبعتُه في العمل.
نالت معظم أفلامك جوائز في المهرجانات التي شاركت فيها.. ما الذي كان يميزها؟
جوائز المهرجانات تبقى دوماً رهينة آراء وتوجهات أعضاء لجان التحكيم المتخصصّة، وهذا ما يفسّر حصول فيلم ما على جائزة في مهرجان ما، ثم خروجه خالي الوفاض من مهرجان آخر، حتى لو كان هذا المهرجان أقل سويّة من الأول، وهذا ما حدث معي في فيلم “الغيبوبة”، لكنني في المحصلة أنظر إلى الجوائز باعتبارها دليلاً على تميّز الأسلوب وجودته، مع الإشارة إلى أنني لا أصنع الأفلام وعيني على المهرجانات، ولا أعتقد أنه ثمّة من يصنع فيلمه لهذه الغاية وحسب، فالمشاركة في المهرجانات تبقى واحدة من آفاق التسويق، ويبقى الدافع الأساس لي هو الهاجس الشخصي في التعبير عن رؤية ذاتية تجاه العالم وقضاياه.
أية فائدة تجنيها الأفلام القصيرة من مشاركاتها في المهرجانات؟
المشاركة في المهرجانات شكل من أشكال الاعتراف بتميّز الفيلم القصير، وهذا يعطي سمعة يتوخاها صنَّاع هذه الأفلام، خاصة في ظلّ الكم الكبير من الأفلام القصيرة الذي يُنتَج كل عام بين أفلام هاوية واحترافية، ويكفي أن ننظر اليوم إلى الاحتفاء النقدي الكبير بالفيلم المصري القصير “ستاشر” – الذي أنجزه المخرج سامح علاء وشارك في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة في مهرجان كان السينمائي بدورته الأخيرة – لنعرف أيّة فائدة وقيمة يكتسبها الفيلم القصير، كما أن المشاركة في المهرجانات تُعدّ واحدة من آفاق تسويق الفيلم القصير الذي يعاني أصلاً من أزمة عالمية على مستوى التوزيع، فلا دور العرض التقليدية تهتم بعرض الأفلام القصيرة ولا الفضائيات التلفزيونية تُقدم على شراء حقوقها، ولا حتى المنصات الرقمية التي أخذت بالانتشار مؤخراً تُعنى بذلك؛ أما المشاركة في المهرجانات التي تقيم ضمن فعالياتها أسواقاً دولية للأفلام فقد تفتح أمام الفيلم القصير سبلاً للوصول إلى هذه الطرق من العرض، هذا عدا عن إتاحتها الفرصة لعرض الأفلام، ومن ثم مواكبتها نقدياً وصحافياً، وهذه كلّها أمور تصبّ في مصلحة الفيلم القصير وصنَّاعه.
معظم أفلامك من كتابتك.. فأية خصوصية يحملها فيلمك حين تكون أنت الكاتب والمخرج؟
إنجاز الفيلم شكل من أشكال التعبير عن هاجس شخصي ورؤية ذاتية للعالم وقضاياه، وقلّما تتقاطع رؤية السينمائي الذاتية مع رؤية كتَّاب السيناريو الآخرين، خاصة في بلادنا حيث نعاني من انحسار الصناعة السينمائية وانتشار آلية العمل والتفكير التلفزيونية منذ زمن طويل، ما يخلق فجوة كبيرة بين السينمائيين وكتَّاب السيناريو، هذا عدا عن وجود أزمة حقيقية في السيناريو التلفزيوني في بلادنا، فما بالك بالجانب المتعلّق بالسيناريو السينمائي!! وهذا ما عانيتُ منه شخصياً منذ تخرجيّ وعودتي للعمل في سورية، لذلك كان الحل الأمثل بالنسبة إليَّ هو كتابة أفلامي بنفسي، خاصة وأنني أمارس كتابة السيناريو إلى جانب عملي في الإخراج.
تنتمي إلى جيل السينمائيين الشباب.. ما أبرز ما يميز هذا الجيل برأيك؟
كنتُ في المعهد العالي للسينما واحداً من مجموعة تضم عدداً كبيراً من السينمائيين السوريين الشباب، مثل حازم زيدان، خالد عثمان، رامي نضال، أحمد فستق، يوسف أبو دان، وبعض هؤلاء – وأنا واحد منهم – عاد للعمل في البلاد، بينما فضّل آخرون الإقامة في الخارج، كما أننا سرعان ما تعرّفنا على مجموعة أخرى من السينمائيين الذين درسوا في دول مختلفة، مثل سدير مسعود وميّار النوري، وتحولنا إلى مجموعة أو جيل سينمائي شاب يسعى لتحقيق ذاته رغم صعوبة الظرف الإنتاجي الذي نعمل في إطاره؛ وما يميّز جيلنا في نظري هو التحصّن بالدراسة الأكاديمية، رغم انتماء عدد كبير من أفراده لعائلات فنيّة كانت قادرة على أن توفر فرصة التدرّب والتطور المهني، إلى جانب الانفتاح على التجارب العربية والعالمية، وهذه أمور تساهم في تطوير الأساليب والرؤى؛ أما الحديث عن النجاح في تقديم سينما مختلفة فهذا يحتاج إلى المزيد من الوقت، لكن متابعة بعض الأفلام التي تحققّت من قبل السينمائيين الشباب خلال الفترة الأخيرة تدعو للتفاؤل والتعويل على صنّاعها.
ما رأيك بمشروع دعم سينما لشباب الذي تتبناه المؤسسة العامة للسينما؟
لا شكّ أن المشروع على درجة كبيرة من الأهمية في ظلّ انحسار فرص الإنتاج السينمائي عموماً، وإنتاج الأفلام القصيرة خصوصاً؛ وقد تابعتُ الدورة الأخيرة من مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة، وكتبتُ مقالاً تناولتُ من خلاله فيلمين على درجة من الأهمية، وأشرتُ إلى ضرورة حصول تغييّر في آلية الإنتاج وتقليص عدد الأفلام المُنتَجة لصالح رفع السويّة، ومردّ ذلك حصول تفاوت في النسبة بين الأفلام الجيّدة والأفلام التي لا تتجاوز حدود سينما الهواة بمعناها الأولي والبسيط، ولا شكّ أن إنتاج خمسة أفلام جيّدة أفضل من إنتاج عشرة أفلام متوسطة المستوى.
قدّمتَ عبر القطاع الخاص فيلمك “الزيارة” فكيف تفسر تراجع هذا القطاع في تقديم مشاريع سينمائية؟
تقاسمتُ مع مُنتج “الزيارة” الرغبة والحماس لخوض مغامرة الإنتاج السينمائي في ظلّ انحسار الصناعة السينمائية وشّحها، وهذا خلق لدينا مزيداً من الإصرار على تحقيق خطّتنا في التوزيع، وأعتقد أننا استطعنا إلى حدّ كبير تحقيق أجزاء من هذه الخطّة التي تشمل المشاركة في المهرجانات والعرض التلفزيوني؛ أما تراجع القطاع الخاص وتخوّفه من الإنتاج السينمائي، فهذا أمر أصبح مفهوماً حتى للمواطن العادي الذي لا يمتّ للوسط الفني بصلّة، فالمنتج السينمائي في القطاع الخاص – شأنه شأن المنتج التلفزيوني – يحتاج إلى سوق لتصريف إنتاجه، وفي ظلّ غياب السوق الداخلي تصبح العملية الإنتاجية بالنسبة له خاسرة؛ أما الأسواق الخارجية فهي موصدة في وجه السينما السورية لأسباب كثيرة ومتداخلة، والفضائيات المحلية غير قادرة لوحدها على حمل مثل هذه الصناعة؛ ولو عدنا عدة عقود إلى الوراء سنجد أن القطاع الخاص كان ينتج وسطياً خمسة عشر فيلماً كل عام؛ وحتى مع التردي التدريجي للواقع السينمائي منذ منتصف الثمانينيات استطاع بعض المنتجين الصمود والاستمرار إلى أن انقطع الإنتاج السينمائي تماماً مع بداية التسعينيات؛ لذلك فإن الحديث عن تشجيع القطاع الخاص وعودته للإنتاج السينمائي يحتاج إما إلى بنية تحتية تكفل توزيع الأفلام المحلية ضمن سوق معقول، وهذه قضية تحتاج إلى تكامل جهود العديد من الجهات الحكومية والخاصة، ولا شكّ أنها ازدادت صعوبة في ظلّ الحرب، وإما إلى التحول إلى الإنتاجات منخفضة التكلفة، وقد شهدنا في الآونة الأخيرة إنتاج عدة أفلام عبر القطاع الخاص تنتمي لهذا النوع ولكنها تبقى متواضعة المستوى ولا ترقى للمستوى المأمول.
غالباً ما تكون الأفلام القصيرة بالنسبة لبعض المخرجين تمهيداً لتقديم أفلام طويلة.. هل الحال كذلك بالنسبة لك؟
تمنح الأفلام القصيرة صنَّاعها فرصة لتجريب واختبار أدواتهم وأساليبهم السينمائية بسبب طبيعتها وكثافتها الزمنية وفرصة للتحرر من الشروط والأشكال المسبقة التي تفرضها الأنواع الأخرى، كالأفلام التجارية أو المسلسلات التلفزيونية، وهذا ما يجذب العديد من السينمائيين الكبار للعودة لتقديم أفلام قصيرة رغم طول عمرهم المهني وعملهم في مجالات أخرى؛ أما النظر إلى الأفلام القصيرة باعتبارها مجرد درجة من درجات السلالم فهذا يعود ربما إلى ربطها بمشاريع التخرّج والمشاريع التدريبية للطلاب في معاهد السينما، رغم أن هذا لا يشكّل قاعدة مطلقة؛ وقد صنع بعض زملائنا خلال الدراسة أفلاماً طويلة وقدّموها كمشاريع؛ والحقيقة أنني لم يسبق لي أن نظرتُ إلى الأفلام القصيرة التي قدّمتُها باعتبارها وسيلة للوصول إلى الفيلم الطويل، فإنجاز فيلم طويل في ظلّ التطور التقني الحاصل اليوم لم يعد أمراً صعب المنال، كما أنني كنت وما زلت أنظر إلى الفيلم باعتباره فيلماً بغضّ النظر عن طوله الزمني، فالأهم بالنسبة إليّ هو الرؤية التي أسعى للتعبير عنها والطريقة والتي أعبّر من خلالها عبر اللغة السينمائية وتسخير عناصرها.
تستعد لإخراج فيلمك الروائي الطويل الأول “مرور”.. حدثنا عنه!!
“مرور” هو مشروع قديم بدأتُ بكتابته منذ السنة الدراسية الأولى في المعهد العالي للسينما، ومرّ بعدة مراحل وصولاً إلى النسخة النهائية التي وضعتُها خلال فترة حظر التجوال الأخيرة، وهو من إنتاج “صورة فيلمز”؛ كما شارك مؤخراً في ملتقى القاهرة السينمائي، حيث حصل على إحدى جوائز شركاء الملتقى الذين قدّموا دعماً للإنتاج وتغطية لتكاليف العمليات الفنية، ومن المفترض انطلاق التصوير قريباً في دمشق.
تعمل أحياناً في بعض الأعمال التلفزيونية.. أية مكانة يحتلها التلفزيون لديك؟
عملتُ مخرجاً مساعداً في مسلسلات تلفزيونية مثل “أوركيديا”، من إخراج والدي الراحل حاتم علي، كما عملتُ مخرجاً لوحدة التصوير الثانية في مسلسل “حرملك”، إخراج تامر إسحاق. وعلى صعيد الكتابة، أنجزتُ عدةَ خماسيات تلفزيونية وشاركتُ في كتابة مسلسل “سفربرلك”، إخراج الليث حجّو، والمُنتَظر عرضه في رمضان القادم.. والحقيقة أن النظرة التي كانت سائدة في الماضي، والتي تسعى للفصل بين السينما والتلفزيون، لم تعد واقعية اليوم طالما أن آلية العمل بينهما قد توحدّت منذ ظهور تقنية “الديجيتال سينما”، وطالما أن بعض الأفلام المخصصّة للعرض التلفزيوني، والمُنتَجة من قبل شبكات تلفزيونية كبرى، أصبحت تنافس في مهرجانات سينمائية كانت تُعرَف سابقاً بتعصبها للسينما؛ وانطلاقاً من ذلك، أمارس اليوم العمل في التلفزيون والسينما بالقدر نفسه من الحرص والاهتمام، هذا عدا عن أن التلفزيون يبقى في المحصلة الأكثر انتشاراً وقدرة على الوصول والتأثير.