الرجل الذي اشترى واشنطن؟
سمر سامي السمارة
ينفقُ معظم المليارديرات أموالهم، على القصور واليخوت والطائرات، لكن هذا ليس حال قطب الكازينوهات شيلدون أديلسون الذي توفي في 11 كانون الثاني الماضي عن عمر 87 عاماً.
نشأ أديلسون في عائلة يهودية بمدينة بوسطن الأميركية قبل أن يجمع ثروة هائلة بفضل سلسلة مترامية من نوادي القمار والفنادق في لاس فيغاس ومكاو وسنغافورة، جعلته أحد أغنى أغنياء العالم وشخصية مؤثرة في السياسة الأميركية. وقد خصّص أديلسون ثروته التي بلغت 33 مليار دولار، بالإضافة إلى ثروته التي حقّقها من شركة لاس فيغاس ساندس كورب، التي حوّلها لأكبر شركة لكازينوهات القمار في العالم، لشراء النفوذ بتحقيق هوسه بالصهيونية. وبذلك، أصبح شخصية مؤثرة في السياسة الأمريكية و”الإسرائيلية”.
من خلال لجان العمل السياسي والجمعيات الخيرية، ركز أديلسون القوة الدافعة الكبيرة لأمواله على توسيع حدود الكيان الصهيوني، ومحاصرة الفلسطينيين في أحياء صغيرة، وضمان تلقي الكيان دعماً عسكرياً، ومالياً، وسياسياً أمريكياً غير محدود.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، قدّم أديلسون ما لا يقلّ عن 150 مليون دولار لترامب والحزب الجمهوري، كما أنه قام بتمويل مجموعة من لجان العمل السياسي بأموال، كانت على الأغلب معفاة من الضرائب. حتى أن بعض المصادر تحدثت عن تبرعات سياسية بقيمة 11 مليار دولار، وكان المشرعون القلائل الذين لم يرضخوا لأديلسون أو لفكرة ما يُسمّى “إسرائيل الكبرى” سرعان ما يتعرضون لغضبه وهجماته السياسية الحادة.
أصبح رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق نيوت غينجريتش، وعضو مجلس النواب الأمريكي من الحزب الجمهوري ماركو روبيو المتلقيين الرئيسيين للتبرعات التي يقدّمها صانع الملوك أديلسون، ومع ذلك، كان ترامب هو المستفيد الأكبر. تلقى ترامب الحصة الأكبر من التمويل السياسي من كازينوهات أديلسون، ومن زمرة من أصحاب المليارات المؤيدين بشدة للكيان الصهيوني ممن يرتبط معظمهم بحزب الليكود اليميني، إذ كانت مساعدة حكومة نتنياهو التوسعية المتشدّدة في الكيان الإسرائيلي أحد أهداف ترامب السياسية الرئيسية.
اتهم منتقدون ترامب، بأنه حصان طروادة لليمين الصهيوني المتطرف، فقد دمّر ترامب ومايك بومبيو وزارة الخارجية الأمريكية، وقاما بالتستّر على الكثير مما يُسمّى الأيدي “القديمة في الشرق الأوسط” الذين لم يخضعوا بشكل كافٍ لمطالب الكيان. كما تمّ تطهير وكالات حكومية أخرى، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية، بالإضافة إلى إهمال المعلقين الإعلاميين الذين لم يلتزموا بخط الليكود.
كان أديلسون أكثر مباشرة، فأنشأ صحيفة مجانية تُسمّى “إسرائيل اليوم”، لدعم سياسات بنيامين نتنياهو وسياسات حزبه الليكود، ولعب دوراً كبيراً في سحق الأحزاب الأخرى التي عارضت نتنياهو. وبعد سنوات من الإنفاق المسرف، انتهى الأمر بأديلسون، بإعطاء الأوامر بالتحرك لكل من ترامب ونتنياهو. وبسرعة، حثّ ترامب الأنظمة الملكية في المنطقة، التي لا يمكنها أن تتجاهل الأوامر الصادرة عن واشنطن، للاعتراف بـ”الكيان الصهيوني” والتخلي عن الفلسطينيين.
وكانت الركيزة الأخرى لدعم ترامب هي اليمين المسيحي المتطرف الذي يشكّل قوة كبيرة في الحياة الأمريكية ودعماً غير محدود للكيان الصهيوني، وهم أيضاً كتلة السلطة الرئيسية في الحزب الجمهوري.
أصبح الحزب الجمهوري مجموعة دينية، ولم يعد يشبه الحزب المعتدل القديم، لـ لنكولن أو أيزنهاور، وقد عثر الجمهوريون الجدد عليه في الولايات الجنوبية، حيث جلب معه سياسة الحظر العنصرية الأمريكية. كان هذا الحزام المولود من جديد، مناهضاً للفكر، وكارهاً للأجانب، ومناهضاً للتعليم وغارقاً في اللاهوت البدائي.
امتلك ترامب ذكاءً كافياً للسيطرة على الريفيين في أمريكا، بإظهار نفسه كشخصية توراتية شبه دينية، وكانت الكثير من تصرفاته الغريبة، مسرحاً سياسياً مصمّماً، للعزف على الوتر الديني لدى الأصوليين الدينيين، أو من أولئك البدائيين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأمريكي.
على الرغم من هذه الجريمة السياسية البشعة، يبقى الجمهوريون رهن طوع ترامب ويبقون تقريباً في السلطة، وقد تعيدهم الانتخابات النصفية القادمة إلى السلطة، فترامب وحلفاؤه الإسرائيليون اليمينيون يعدون الأيام.