بالأمس مندريس واليوم أردوغان
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
للحقيقة، مسيرة أردوغان الداخلية تتشابه كثيراً مع مسيرة مندريس، لكن التشابه كان أيضاً كبيراً في مسيرتهما في السياسة الخارجية مع بعض الفوارق، مندريس بدأ منذ اللحظة الأولى مسيرة التعاون الكاملة مع الأميركيين، فانضمّ إلى حلف شمال الأطلسي عام 1952، وكان جزءاً من حلف بغداد المعادي لحركات التحرّر العربية، وصولاً إلى استخدام الأميركيين لقاعدة أنجيرليك لنقل الإمدادات للقوى المؤيدة لشمعون ولنزول المارينز في لبنان، وفي عهد مندريس كان العداء الأكبر في تركيا هو للشيوعية، وبقدر ما كانت النزعة الإسلاموية تنمو في الداخل بقدر ما كان التحالف مع أميركا والغرب يتوسّع. وفرضية أن النزعة الإسلاموية تفرض حتماً العداء لأميركا بل أيضاً لـ”إسرائيل” لم تصمد في النموذج التركي في عهد مندريس، أما في عهد أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” فمع أن الظروف الدولية اختلفت كثيراً، غير أن الاتجاه الإسلاموي في تركيا لم يتأخر كثيراً في إثبات أنه ليس فقط لا يتعارض مع السياسات الأميركية، بل أيضاً في تعاون وثيق معها في السياسات الخارجية والشرق أوسطية تحديداً!.
إذا وضعنا جانباً محاولات تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية تأمين تسوية في المنطقة تضمن شرعية الوجود الإسرائيلي وأمنه، فإن الانسجام مع السياسات الأميركية في السنوات الأخيرة كان الشغل الشاغل لحزب العدالة والتنمية، ولاسيما منذ قمة أردوغان- والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في خريف 2007، ثم مع عهد باراك أوباما، عندما شاركت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في مؤتمر الاتصال الليبي باسطنبول، إذ إن المواضيع تجاوزت في محادثاتها مع أردوغان ووزير خارجيته السابق، وصاحب مقولة “العمق الاستراتيجي” أحمد داوود أوغلو، ليبيا لتتناول بصورة مفصلة الدور الأكبر للغرب ضد سورية، وبعدها مباشرة وصل رئيس الاستخبارات الأميركية السابق ديفيد بتراوس في زيارة قالت صحيفة “يني شفق” إنها تهدف إلى درس مختلف الاحتمالات ضد سورية.
يقول سامي كوهين في “ميللييت”: إن العلاقات التركية الأميركية بلغت أبعاداً مهمّة جديدة من الاتفاق التام على ليبيا إلى الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني، حيث لم يعد هناك فرق بين أنقرة وواشنطن، وصولاً إلى الوضع في سورية حيث يتوثق التعاون بينهما بصورة كبيرة وتلتقي وجهتا نظر الطرفين أكثر من أي وقت مضى، “إسلاميون في الداخل لكن أميركيين في الخارج” هو الشعار الذي يمكن إطلاقه على مرحلتي مندريس- أردوغان، أما الفرق الأكبر بين أردوغان والأنظمة العسكرية التركية فيكمنُ في أن هؤلاء كانوا يمارسون سياسات أميركية إسرائيلية ضاغطة من الخارج على الأنظمة العربية التقدمية، عبر أحلاف وتهديدات على الحدود، أما مع حزب العدالة والتنمية فإن تركيا تورّطت لتكون طرفاً في الصراعات الداخلية للدول العربية كأنها مستملكة عثمانية، من ليبيا إلى مصر وتونس والبحرين وصولاً إلى سورية والعراق.
ما بين مندريس- أردوغان أكثر من شبه، وإذا كان من عبرة فهي أنه يجب قراءة التاريخ الحديث لتركيا بتأنٍ، حيث تتشابه الوقائع ولا تختلف سوى الأسماء، بالأمس عدنان مندريس واليوم رجب طيب أردوغان، وهما يحملان أطماع الدولة العثمانية السابقة في الوطن العربي بمشاركة أميركية وإسرائيلية لتدمير سورية والعراق وليبيا واليمن، وهذه المؤامرة جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تديره أكثر دوائر المال إجراماً ووحشية في العالم.