رنا محمد: التربية بالحكاية أثبتت قدرتها على تحسين سلوك الطفل
كل أديبات الأطفال أمهات في قرار الموهبة وجذرها وملاكها، وأن تجتمع الأمومة الحقيقيّة ويكون لها أطفال من رحمها تستطيع حينها أن تخاطب باقي الأطفال من خلال تجربتها العملية الذاتية في تربيتهم بأسلوبها الخاص لرواية الحكايات لهم وتعليمهم وتثقيفهم من خلال القصة، والكاتبة رنا محمد امتهنت تربية الأطفال من خلال أدبها وعلاقتها التفاعلية مع طفليها، وكان لنا معها هذا الحوار للوقوف على جزئيات هذه التجربة.
بدأت رنا محمد بالحديث عن تفتق موهبة الكتابة من بين تفاصيل التربية لأطفالها، قالت: من عاشر الأطفال أربعين يوماً أصبح كاتباً لهم، فكيف بسنوات العشرة معهم وبينهم التي منحتني الكثير من الذاكرة والمواقف والحكايات الجميلة، ثم الأمومة التي عشتها مع أطفالي (علي ورام) وأنا طفلة بينهم، كل تفصيل بين الأطفال هو حكاية نلتقطها ونأخذها منهم، ثم نصيغها ونكتبها بأسلوبنا ونعيدها لهم بفكرتنا التربوية التي نريد إيصالها للطفل، طبعاً مع الكثير من التسلية فالتلقين لن يجدي نفعاً.
علاقة تباديلة
تنجم عادة صعوبات عند مطاردة فكرة لقصة ما وجعلها مناسبة للسلوك التربوي مع الأطفال، وتعمل رنا محمد على تجاوزها وعنها تحدثت: الأفكار موجودة في كل مكان كالعصافير فوق رؤوسنا، مهمّة الكاتب التقاطها وروايتها من وجهة نظره، ومهمة الكتابة للطفل توظيف الفكرة لخدمة قضية تربوية معينة، يتعين على الكاتب معرفة الفكرة التربوية التي يحب إيصالها للطفل بشكل مسلٍ وغير مباشر بعيداً عن التلقين، فالعلاقة مع الطفل تبادلية، نتعلم منهم ونعلمهم في الوقت نفسه، والكاتب الذي لا يتعلم من الطفل لا يتطور أبداً.
وعن معاناة ومعضلات أدب الطفل قالت: أكثر ما يعانيه أدب الطفل هو الاستسهال في كتابته، وهو من أصعب الأجناس الأدبية، تماماً مثل التربية، لم أكن أتخيّل قبل الأمومة حجم الصعوبة في تربية الطفل، خصوصاً وأن طفل اليوم ذكي جداً، طفل يقرأ ويفهم باكراً، طفل ولد والموبايل بيده، طفل اليوم يضحك إذا حكينا له قصة ليلى والذئب. أدب الطفل اليوم يحتاج أن نحترم عقل الطفل ونحترم ظروفه ومشاعره ونساعده في إيجاد حلول للوصول لواقع أفضل.
“علي ورام”
وعن المحطات الرئيسية التي نقلت رنا من جدران المنزل إلى أوراق الكتابة وحبر الكلمات، أجابت: أولاً أنا أعمل بمجال الكتب منذ سنوات طويلة (تنضيد وإخراج فني) وهذا عملي الأساسي، وكتبت في العديد من الصحف والمجلات العربية والمحلية، وعملت مع مؤسسات ومنظمات لمناهضة العنف ضد المرأة والطفل وكتبت الكثير من المقالات حول ذلك بالعديد من المواقع، ثم بعد الأمومة التي تزامنت مع بداية الحرب على سورية توقف كل نشاطي واقتصر على عملي في تنضيد الكتب وإخراجها. وأصبح “علي ورام” كل عالمي، كبر صغاري بين الكتب ومعها، وبدأت ألاحظ وأنتبه بعين الكاتبة لكلّ ما يفعله الصغار من مواقف ومشاكسات فتحول حبي للكتابة إلى الكتابة للطفل، والمحطة الأولى كانت برواية حادثة جرت مع صغيري علي، تحولت إلى قصة نشرت في مجلة أسامة، ثم بقدوم رام الطفل الثاني زادت القصص والحكايات بين رام وعلي استفدت منها بداية وكانت الانطلاقة في هذا المجال.
الطفلة الثالثة
تستقي الكاتبة رنا محمد مفرداتها من خلال طفليها وعن طفولتها قالت: أنا الطفلة الثالثة في البيت مثل علي ورام، نصنع مسرح دمى من بقايا القماش أو الأوراق الملونة، أحياناً تخطر لي فكرة قصة فأطرح الفكرة على أطفالي، أو أطرح مشكلة معينة وفي جلسة عصف ذهني بيننا ومن مفرداتهم تتمّ كتابة القصة بعد انتقاء ما أجده مناسباً طبعاً، وللأمانة والحق يقال لهما الفضل وكل الفضل بكل ما كتبت، والطفلة في داخلي ترفض أن تغادرني، ربما لذلك عدتُ للكتابة ولكن هذه المرة الكتابة للطفل.
حكاية
وجدت محمد التعبير بالحكاية عما يجول في خاطرها كأم تريد نقل تجربتها لباقي الأطفال وأهلهم، وعن هذه الحكايات قالت: التربية بالحكاية أثبتت قدرتها على تحسين سلوك الطفل، وطرح المشكلات الحقيقية من قلب مجتمعنا مع وجود نماذج جميلة تجيد حلّ المشكلات، وتعزيز الفكرة الإيجابية والأشخاص الإيجابيين. أهالي اليوم مثقلون بالهموم بالتأكيد لكن لا ذنب للطفل، الطفل شريك في المشكلة لا مسبباً لها.
“الحب”
وفي ختام حديثها قالت الكاتبة رنا محمد: لكل أم ومربية ولكل من يعمل مرغماً أو راغباً مع الأطفال الحب ثم الحب ثم الحب، المحبة تبرّر كل شيء وتغفر كل شيء وتُعين على كل شيء. ولكل أديبة أقول: كوني أنتِ وأنتِ فقط.. الكثير من القراءة والتجارب لكل الأدباء والكتّاب، وتعلمي من الطفل قبل أن تعلميه وبالتأكيد ستنجحين. لم يتبقَ لنا في هذه البلاد الحزينة سوى أطفالها، فلنحاول معاً، ربما، ينسون هذه الحرب ويرممون ما دمرته ويصنعون واقعاً أفضل.
جُمان بركات