هل أنت متأكد؟
أمين إسماعيل حربا
نحن محكومون في هذا العالم بالزّمن والمادة، ولا مفرّ لنا من ذلك، وكلّ ما هو بعدهما يدخل ضمن حيّز المعتقدات والتّكهنات غير المتّفق عليها من قبل الجميع، وهي تعتمد بالمطلق على ما هو غير يقينيّ ومحسوس. أما بالنسبة للزّمن فهو مفهوم افتراضيّ من ابتكار الإنسان، ولو سألت أيّاً كان لعجز عن إعطاء المعنى الواضح والحقيقيّ له.
وبالنّسبة للمادة فما هو مكتشف ومعروف من كوننا أن كلّ جرم فيه يدور حول نفسه، ثمّ يدور بشكل إهليلجي في مجموعات ومجراتّ حول المركز، ويدور بكامله باتّساع بشكل حلزونيّ وبحركة دائمة إلى المجهول، ممّا يعني أنّه لا ثوابت نهائيّة له لا بالحجم ولا بالمسافات بين هذه الأجرام. ومع ذلك فإن معظمنا يتحدّث بشكل يقينيّ عن كلّ شيء وكأنّه يمتلك الحقيقة المطلقة والمعرفة الكليّة. وعلى سبيل المثال لا الحصر حين يعتقد سكان جنوب الكرة الأرضيّة بشكل جازم أنّهم ينظرون للأعلى هم بالنسبة لسكان شمال الكرة الأرضيّة ينظرون للأسفل والعكس صحيح، فأين هي الحقيقة الثابتة في هذا الموضوع البسيط والمحسوس، وكيف سيكون الأمر بما هو أعقد وأعمق من ذلك؟.
لقد كان المثقفون والمفكرون والعلماء عبر التاريخ الطويل وما زالوا يقومون دائماً بتطوير نظريات وأفكار سابقيهم ومعاصريهم، وكثيراً ما نقضوها بالكامل وأثبتوا خطأها، وهذا يدلّ على أنّ كلّ ما يدور في أذهاننا وما سمعناه أو سنسمعه، وما قرأناه أو سنقوم بقراءته في بطون كلّ الكتب دون استثناء في يوم ما هو اجتهاد معرفيّ شخصيّ يحتمل الأخذ والردّ، ويدخل في حيّز الفرضيّات التي تتعرّض للنّقد أو النقض أو التطوير بشكل دائم من الناحية الفلسفية أو العلمية. أما ما يدخل ضمن مصطلح المسلّمات فهو ما اتفق عليه الجميع لتسهيل التعامل فيما بينهم، كوحدات قياس الأوزان والمسافات والأحجام وما شابهها، أو ما اتّفقوا عليه من مفاهيم كمفهوم العقيدة والوطن والأخلاق وما شابهها.
ومع معرفتنا المسبقة باستحالة الوصول للحقيقة المطلقة، لأننا حال الوصول إليها ينتفي الدافع لاستمرارنا، إلا أنها تبقى الغاية النهائية لنا منذ بدء وجودنا ككائنات عاقلة في هذا الكون. فهل يحقّ لنا أن نتحدث كالعارفين والمتأكدين من كلّ شيء ونتصرّف على هذا الأساس، ونبقى في حالة صراع دائم فيما بيننا، أم بات من واجبنا أن نقبل الآخرين لأنهم يشكّلون معنا حالة تكامل لا تناقض في لوحة الحياة الكلية، فيكتمل المعنى الحقيقي لوجودنا الإنساني؟.