مجلة البعث الأسبوعية

“التحكيم الرياضي”.. ضرورة ملحة للقضاء على الخلافات والتخلص من “تبويس الشوارب”!!

“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش

باتت رياضتنا بحاجة لتغير في قوانينها وأنظمتها لتواكب التطور الرياضي العالمي، خاصة وأن أنديتنا تعيش في ظل التضخم المالي الراهن ضائقة مالية مستمرة، نتيجة لزيادة المصروفات عن قيمة الإيرادات، والعجز عن الحصول على موارد مالية جديدة تفوق ريع المباريات والدعم المقدم من الاتحاد وجوائز البطولات، لاسيما في ظل تواضع قيمة عقود الرعاية والتسويق التي توضع على قمصان اللاعبين.

وفي هذا السياق، نجد أن رياضتنا تعيش الأزمة بمعطيات مختلفة عن غيرها من الدول، لناحية فض الخلافات التي تجري ما بين الأندية واللاعبين والمدربين على حد سواء، ففي كل موسم تتكرر الخلافات بين الأندية واللاعبين والمدربين، بسبب تأخر الأندية في صرف الرواتب الشهرية وجزء من مقدمات العقود، الأمر الذي يجعل الكثير من المدربين واللاعبين يغيبون عن التدريبات، أو يهددون بالغياب عن المشاركة بالمباريات الرسمية، وهو ما يجري حاليا بالكثير من الأندية – الفقيرة منها والغنية – ويجعل الأندية ترزح تحت ضغط اللاعبين والمدربين، كون الوضع غير مناسب بالوقت الحالي لتأمين جزء يسير من المال لصرفه على لاعبيها.

هذه النزاعات تتطلب من القائمين على رياضتنا إيجاد الطرق المناسبة لفضها بشكل قانوني بعيداً عن “تبويس الشوارب”، ومع الأسف فهو الذي يجري حالياً، وهو ما أشار إليه الكثيرون من الغيورين على رياضتنا وبأكثر من موقف.. كل ذلك وغيره من القضايا يؤكد أن رياضتنا باتت بحاجة لتأسيس محكمة رياضية أسوة بالمحكمة الدولية “كاس” ليتم فض القضايا التي ترفع بالعشرات من قبل اللاعبين والمدربين في كل موسم، سواء أكان بكرة القدم أم السلة أم غيرها من الألعاب، سيما وأن الصورة تبدو قاتمة في ظل تفشي ظاهرة فسخ العقود بالتراضي، والأصح أن يكون هناك محكمة رياضية تكون معنية بإعطاء كل ذي حق حقه (حق النادي أو اللاعب أو المدرب.. إلخ).

 

بعيدة التحقق

وبالنسبة لرياضتنا، فما زالت مسألة وجود محكمة رياضية بعيدة بالمدى المنظور، لكنها مطلب ملح لكافة الرياضيين، سيما مع انطلاق الاحتراف واتساع الرقعة الرياضية، وكثرة التعامل بين اللاعبين والأندية من خلال عقود أو اتفاقات قانونية، والعقود الموقعة في الاتحادات الرياضية أو جلب لاعبين لأندية معينة، فقد باتت الحاجة ملحة لوجود جهة يمكن اللجوء إليها لفض المنازعات الرياضية، وتكون قادرة على تطبيق القوانين دون تحيز لفئة على حساب أخرى، وبحيادية تامة، وتعتمد على قوانين واضحة وشفافة تعطي كل ذي حق حقه، وتعاقب من يستحق العقاب، من لاعب يتمرد على فريقه إلى أندية تماطل في دفع مستحقات لاعبيها إلى تعصب أعمى يتسبب في الإخلال بالمباريات.

المحكمة يجب أن تشكل بمقر لها، أو “هيئة تحكيم، أو أكثر، “للنظر في المنازعات الرياضية تكون برئاسة أحد القضاة بدرجة مستشار على الأقل، وتختص الهيئة بالفصل في المنازعات المتعلقة بالأنشطة الرياضية والتي يتفق ذوو الشأن على عرضها عليها، سواء كانت هذه المنازعات بين الهيئات الرياضية، أو أي شخص طبيعي أو اعتباري له علاقة بموضوع النزاع.

 

فض النزاعات

عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام علاء جوخه جي أكد لـ “البعث الأسبوعية” أن رياضتنا بالفعل بحاجة لوجود محكمة رياضية تقوم على حل المشاكل المتعلقة ما بين الأندية واللاعبين والمدربين، وهناك فكرة بإنشاء مثل هذه المحكمة، ونحن في المكتب التنفيذي في مراحل متقدمة من إنشاء هذه المحكمة، مع العلم أن هناك بنداً في اللجنة الأولمبية بشأن حالة مشابهة للمحكمة الرياضية – لكنها غير شرعية – تعتمد على جهود خاصة يتم من خلالها حل المشاكل بشكل ودي؛ وهناك الكثير من المشاكل جرت في رياضتنا وتم حلها بتلك الطريقة لكننا نأمل أن نصل لإنشاء محكمة رياضية سورية قريبة من المحكمة الدولية لكي يأخذ كل ذي حق حقه.

من جهتها، أشارت لاعبة منتخبنا الوطني لكرة السلة، المحامية زينة يازجي، إلى أنه لابد من وجود محاكم رياضية متخصصة في سورية لفض النزاعات الرياضية بين اللاعب والنادي، وبالعكس، من حيث المستحقات المالية للاعبين وحقوق النادي عليهم، أو العديد من القضايا الأخرى مثل توقيع اللاعب لعقدين مع ناديين مختلفين وبأوقات مختلفة؛ وهذا ما أدى إلى النزاع بين الناديين ليأتي الحل عبر جهود شخصية للقائمين على اللعبة وإدارة الأندية؛ والموضوع هنا يتعلق بأن المحاكم المدنية والجزائية في سورية من غير الممكن أن تكون أداة الفصل بالنزاعات الرياضية لأنها بعيدة كل البعد عن الأجواء الرياضية وعن قوانينها؛ وبالأصل، القوانين الرياضية داخلية ومتعلقة بالنظام الداخلي لكل دولة؛ والنظام الرياضي الداخلي عندنا يختلف عن بقية الدول المجاورة لنا على الأقل؛ لذلك إذا لم يكن هناك محاكم رياضية مختصة بالفصل بهكذا منازعات فسنبقى غير قادرين على تطبيق قوانين الاحتراف، كون هناك عقد ملزم بين النادي واللاعب لـ “الطرفين”.

 

حالات طارئة

وبينت يازجي أن ما يجري حالياً هو أن هناك كثيراً من حالات النزاع ما بين اللاعبين والأندية، مثل الاستحقاقات المالية أو الخلاف في شروط معينة بالعقد أو فسخ العقد، الأمر الذي جعل الاتحاد الرياضي العام يتدخل لحلها. لكن، مع الأسف، جاء الحل بطرق ودية “أي بالمونة”، أما في حال وجود قضاء رياضي مختص فالأمور ستتغير، ولن نجد عند ذلك المخالفات التي نراها حالياً من قبل اللاعبين أو إدارات الأندية تجاه أي شخص، لأنه يوجد قوانين ومحاكم مختصة مرجعيتها خاصة، بها مثل الشروط الجزائية أو العقوبات، ولن يكون أحد مضطراً – عندها – للاجتهادات أو للاختراعات بالقوانين، ويغدو هناك قانون خاص بالمحكمة الرياضية المعنية بفض النزاعات.

وتابعت يازجي: أما لماذا لا يوجد عندنا محكمة رياضية فلا أدري ما هو السبب؟ خاصة وأن رياضتنا قبل الأزمة كانت في قمة التطور والرقي والاحتراف، وكنا متقدمين على الكثير من الدول، إلا أن الظروف أثرت على كل مفاصل المجتمع، بما فيها الرياضة التي هي جزء من هذا المجتمع؛ ومع تفشي وباء كورونا، والتضخم المالي، أعتقد أن الوقت غير مناسب الآن لتأسيس محكمة رياضية.

وختمت بالقول: الاحتراف عندنا لم يصل حد النضوج مثل بقية دول العالم، وكل ما يجري هو معالجة نظام احتراف هو أساساً غير ناضج وغير سوي حاليا، وهو بحاجة للوقت ليأخذ شكله المطلوب، ولوجود محاكم مختصة لـ “نفضه” من وضعه الحالي، ولتعديل نظام الاحتراف لإعطاء كل ذي حق حقه.

 

محكمة مستقلة

وهنا، لابد من ذكر أن محكمة التحكيم الرياضية الدولية هيئة شبه قضائية دولية أنشئت لتسوية النزاعات المتعلقة بالرياضة، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة لوزان السويسرية، وقد أنشئت عام 1984، وتوجد لديها محاكم في مدينتي نيويورك بالولايات المتحدة وسيدني بـأستراليا، فضلا عن محكمة مؤقتة يجري إنشاؤها في المدن المستضيفة للألعاب الأولمبية خلال فترة إقامة الألعاب، وترتكز فكرة إنشائها – حسب الموقع الرسمي للمحكمة – على إيجاد “هيئة قضائية للتسوية المباشرة أو غير المباشرة لقضايا مرتبطة بالرياضة، وكذا خلق سلطة متخصصة قادرة على البت في النزاعات الدولية من خلال مسطرة مرنة وسريعة وغير مكلفة”، وتحظى قراراتها التحكيمية باحترام المؤسسات الرياضية في العالم.

وتتميز محكمة التحكيم الرياضية الدولية بأنها مستقلة عن أي منظمة رياضية، وتابعة إداريا وماليا للمجلس الدولي للتحكيم الرياضي، وصادقت اللجنة الأولمبية الدولية على قانونها الأساسي الذي دخل حيز العمل في عام الإنشاء نفسه، وتضم المحكمة حوالي ثلاثمائة محكم ينتمون لـ 87 دولة، ويتم اختيارهم لمعرفتهم المتخصصة بالتحكيم وقانون الرياضة.

 

آلية القضاء

عموماً، يظل اللجوء إلى هذه المحكمة أمرا اختياريا مرتبطا بإرادة طرفي النزاع، حيث لا يمكن تقديم أي قضية أمامها إلا إذا كان هناك “اتفاق تحكيم بين الطرفين المتنازعين يحدد اللجوء إليها ويعترف بالولاية القضائية لها”، لكن من الناحية العملية نجد أن جميع الاتحادات الأولمبية الدولية واللجان الأولمبية الوطنية للدول اعترفت بالولاية القضائية للمحكمة في حل المنازعات، وتحظى قراراتها التحكيمية بقوة إنفاذ الأحكام ذاتها الصادرة عن المحاكم العادية، ويمكن الطعن في قراراتها لدى المحكمة العليا الفدرالية السويسرية، لكن نادرا ما تنجح تلك الاستئنافات، وإذا ما نجحت فغالبا ما يكون ذلك مقتصرا على المسائل الإجرائية دون أن يمس جوهر النزاع، ويقدم التحكيم لجنة مكونة من ثلاثة محكمين، يجب أن يكونوا مستقلين عن أي طرف، ويكون لطرفي النزاع في حالة الإجراءات العادية الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على القضية موضوع النزاع؛ وفي حالة فشل مثل ذلك الاتفاق يطبق القانون السويسري، وتستغرق مدة التحكيم عادة ما بين 6 و12 شهرا، أما في حال إجراءات الاستئناف فيجب أن يعلن الحكم في غضون 3 أشهر بعد نقل الملف إلى هيئة التحكيم؛ وفي الحالات العاجلة، وبناء على الطلب، فقد تأمر المحكمة الدولية في وقت قصير جدا باتخاذ تدابير مؤقتة، أو تعليق تنفيذ قرار ضدها.