الشعبوية الأوروبية في صعود.. مرة أخرى؟
“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر
بعد هزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات، أعلنت وسائل الإعلام التقليدية أن الشعبوية قد ماتت ودُفنت، ولن يتم إحياؤها على نطاق واسع مرة أخرى. لكن، هل كان انتصار ترامب والبريكست هما ما أشعل نيران الحركات الشعبوية؟ على الرغم من أن بقية أوروبا رفضت بشكل أساسي الشخصيات والأحزاب التي دافعت عن سياسات مماثلة مناهضة للمؤسسات، ومعادية للهجرة، في عام 2017، فقد يعطي الناخبون هذه القوى نفسها فرصة ثانية الآن، بعد أن أحبط “الخبراء” عشرات الملايين من الناس في عصر الجائحة هذا، فمن فرنسا إلى البرتغال إلى هولندا، قد ترتفع الموجة الشعبوية مرة أخرى!!
لوبن الأقوى
الرئيس إيمانويل ماكرون ليس الرجل الأكثر شعبية في فرنسا في الوقت الحالي؛ ووفقاً لعشرات استطلاعات الرأي، منذ تموز 2020، تجاوزت نسبة معارضي الرئيس الفرنسي 50٪ بشكل روتيني، مع إشارة أحدث مجموعة من الاستطلاعات إلى تجاوز نسبة المعارضين 60٪، فهل يمكن لذلك أن يشير إلى سقوطه في الانتخابات الرئاسية العام المقبل؟
يمكن أن تكون حالة لوبن أقوى من السيف. تقترب مارين لوبن، رئيسة حزب التجمع الوطني، ظاهرياً من ماكرون في استطلاعات الرأي. وفقاً لآخر استطلاع أجراه معهد “هاريس انتراكتيف” عبر الإنترنت، فإنه إذا تم إجراء منافسة رئاسية نهائية اليوم، فإن لوبن ستحصل على 48٪ من الأصوات، مقارنة بـ 52٪ لماكرون؛ وفي حين أن ذلك يمنح ماكرون تقدماً بسيطاً في إعادة انتخابه، إلا أنه يمثل أضيق هامش تم تسجيله؛ ويبدو أن لوبن تطلق حملتها الانتخابية مقترحة إجراءات جديدة، بما في ذلك حظر الحجاب في جميع الأماكن العامة. وفي حديثها للصحفيين اقترحت لوبن حظر “الإيديولوجيات الإسلامية” التي أشارت إليها على أنها “شمولية وقاتلة”.
ولكن في حين فشل هذا النوع من الموقف في دفع لوبن إلى قصر الإليزيه، في العام 2017، فإن إحباط الجمهور من تعامل ماكرون مع جائحة فيروس كورونا والانتعاش الاقتصادي السيئ قد يدفع المزيد من الناخبين إلى الإدلاء بأصواتهم في غضون 15 شهرا. ومع ذلك، يمكن أن يتغير الكثير خلال العام المقبل، ولكن إذا كانت هناك اتجاهات أخرى تشير إلى أمر ما، فهو أن الشعبوية تعود في فرنسا.
المحطة التالية.. إيطاليا؟
استقال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مؤخراً بعد أكثر من عامين من الفوضى السياسية وسط حكومة ائتلافية هشة. استقال كونتي بعد أن سحب ماتيو رينزي حزبه الصغير “إيطاليا فيفا” من التحالف الهش، على الرغم من أن حركة الخمس نجوم الشعبوية”M5S” ، والحزب الديمقراطي يسار الوسط “PD” متمسكان برئيس الوزراء المنتهية ولايته. ومع ذلك، أدى خروج سالفيني إلى إدارة كونتي للحكومة بأغلبية ضئيلة، ولا يعد هذا في السياسة الإيطالية ضماناً لسن السياسات. فهل كان هذا انتصاراً للشعبوية إشارة إلى ما سيحدث في المستقبل؟! ليس تماماً، وفقاً لاستطلاعات الرأي، والتي سجلت رغبة 45٪ من الناخبين الإيطاليين في بقاء كونتي في منصبه، و26٪ فقط يؤيدون إجراء انتخابات جديدة. ويواجه سالفيني حالياً المحاكمة بسبب تهم إساءة استخدام سلطته بمنع سفينة لاجئين من الرسو، في العام 2019، عندما كان وزيراً للداخلية؛ لكن سالفيني لم يعتذر، حيث اعتبر تلك الاتهامات بمثابة وسام شرف، وقال للصحافة بعد جلسة استماع مغلقة: “أنا مرتاح تماماً وفخور بما قمت به.. أنا آسف فقط على تكلفة الإجراء الذي يتحمله دافعو الضرائب الإيطاليون ووقت القاضي الذي ضيعته”.
صعود الشعبوية البرتغالية
في الشهر الماضي، أعيد انتخاب الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا بأغلبية ساحقة، حيث حصل على 61٪ من الأصوات. وعلى الرغم من فوزه، فإن العديد من المحللين السياسيين يركزون اهتمامهم على أندريه فينتورا، وهو سياسي يميني شعبوي حصل على 12٪ من الأصوات. وعلى الرغم من حكم لشبونة من قبل ائتلاف يمين الوسط مع حزب اشتراكي في مقعد المعارضة، يقول الخبراء أن هذا التوازن قد يتغير قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة في غضون عامين وسط صعود فينتورا، الذي برز كصوت متنام في السياسة، منذ عام 2017، حيث دعا إلى تقليل الهجرة والمزيد من القانون والنظام، وبعد انسحابه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يمين الوسط، شكل حزبه الشعبوي المسمى شيغا “كفى”.
تشير مجلة فورين بوليسي إلى أن “البرتغاليين لديهم مستوى أعلى من عدم الثقة في ديمقراطيتهم من معظم السكان”، مضيفة: هذا السخط يمكن أن يغذي نوعاً فريداً من الشعبوية اليمينية المتطرفة في البرتغال التي لا تعتمد بشكل أساسي على المشاعر المعادية للمهاجرين، ففي بلد قامت فيه الحكومة بتوسيع وتشديد عمليات الإغلاق ووسط توقعات بأن يتراجع الاقتصاد أكثر من ذلك، يمكن لمرشح مناهض للمؤسسة أن يجذب الجمهور”.
وفي هولندا جو فيلدرز
لم يصبح خيرت فيلدرز، رئيس “حزب الحرية”، زعيماً سياسياً كما توقع البعض في انتخابات 2017، على الرغم من حصوله على ثاني أكبر عدد من المقاعد البرلمانية. ومع ذلك، في أعقاب فضيحة رعاية الأطفال في عهد رئيس الوزراء مارك راتل، وتصاعد المرارة بسبب عمليات الإغلاق بسبب كورونا، هل يمكن أن ينجح فيلدرز في الربيع عندما يذهب ملايين المواطنين إلى صناديق الاقتراع؟ تشير أحدث بيانات الاستطلاع إلى أن تشكيل الحكومة سيبدو نسبياً كما هو الآن. وفي الواقع، يمكن لحزب “الشعب من أجل الحرية والديمقراطية” “VVD” البناء على عدد مقاعده، على الرغم من الكارثة السياسية المعلقة على رأس الحزب.
وكذلك في الولايات المتحدة قد تكون خسارة الرئيس ترامب مجرد البداية. وإذا كانت الشائعات صحيحة، فقد تكون الترامبية قوة لا يستهان بها لسنوات قادمة متمثلة بحزب “باتريوت”. وبينما حذر المحافظون من العواقب السياسية طويلة المدى لحزب جمهوري ممزق من شأنه أن يمنح الديمقراطيين السيطرة لسنوات عديدة قادمة، فإن شعار “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” لا يتلاشى. لقد سارت الروح نفسها في المياه الراكدة، وتسللت إلى شريحة معينة من جمهور الناخبين الذين شعروا بالتخلي عن الركب والإهانة من قبل القوى الدولية التي استرضت أسيادهم العالميين في بروكسل، فهل سينتقل هذا الغضب في النهاية إلى فوز انتخابي؟