مجلة البعث الأسبوعية

ماذا فعلت السورية تنفيذا للمرسوم رقم “1”.. لجان تشكل لتقصي التجاوزات وضياع أموال وضعف إشراف

“البعث الأسبوعية” ــ ابتسام المغربي

ما معنى أن تحشد مؤسسة “السورية للطيران” كل الزخم لدفع العمل فيها وفق المرسوم التشريعي رقم 1، الصادر في التاسع من كانون الثاني ٢٠٢٠، والذي يؤكد على أن تكون المؤسسة شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وترتبط بالوزير!! وتحل محل “مؤسسة الطيران العربية السورية”، المحدثة في العام ١٩٧٥، بهدف الارتقاء بمرفق النقل الجوي وتنمية الاقتصاد الوطتي وتعزيز موقف سورية إقليميا ودوليا، والمساهمة الفاعلة في منظمات الطيران الإقليمية.

أما المهام التي أوكلت للمؤسسة فتشمل جميع عمليات النقل الجوي، ركابا وشحنا، وتقديم الخدمات الأرضية وعمليات استقبال الطائرات وترحيلها مع خدمات الإطعام وتموين الطائرات، يضاف إلى ذلك صيانة الطائرات وتعميرها وتقديم الخدمات الفنية بكل احتياجاتها، وتقديم خدمات التدريب والمشاركة بالمؤتمرات، ووضع برامج التشغيل للمحطات الداخلية والخارجية، والبحث عن أسواق جديدة، وتأمين أنظمة الحجز، وشراء وبيع وتأجير واستئجار طائرات، وتملك العقارات في المحطات الخارجية والداخلية؛ وفصل المرسوم التفاصيل التي تتعلق بوضع السياسات والبرامج التنفيذية التي تكفل تطوير العمل.

 

ماذا فعلت السورية على أرض الواقع

المهم في سرد هذه التفاصيل هو ماذا فعلت المؤسسة بعد صدور أكثر من عام على المرسوم، وماهي الإجراءات التي اتخذتها لتنفيذه، فلا يستوي على سطح واحد أن تكون إدارة المؤسسة حريصة على تأمين أفضل الموارد، وفي الوقت نفسه تقوم بهدرٍ غير مفهوم لكل طاقاتها وامكانياتها وتتعامل كجاب فقط.. وهذا ما حصل مع إدارة شركة الخطوط الجوية السورية، ففي وقت استبسلت لتأمين موارد للخزينة العامة من خلال استعادة الحصرية، لتستفرد بكونها مؤسسة حكومية، وتجاوبت الجهات الوصائية مع العناوين البراقة التي ساقتها الإدارة لجهة تأمين الموارد وتخفيف العبء عن الدولة، وخرق الحصار، فحصلت على امتيازات لا تتناسب مع قوانين الطيران العالمي.

ربما حصّلت “السورية” بعض العوائد ولكن دون جهد، وربما حصّلت أيضاً بعض الموارد من خلال حصرية إعادة المواطنين السوريين العالقين في الخارج – وهذا حديث آخر في معايير النجاح والفشل – لكن المهم: أين تذهب الموارد، أو ما يمكن أن يكون أرباحاً؟ إليكم ما حصل!!

 

فتحنا باب التكسب

في قوانين الطيران المدني العالمي، يحتاج الركب الطائر، والطيارون بشكل خاص، إلى رحلات تدريبية في حال انقطاعهم أكثر من 90 يوماً عن الطيران. وبالمقابل، صدر سابقاً مرسوم يعطي امتيازات مالية لهؤلاء تصل إلى عدة أضعاف الراتب، أي أن الطيار الذي راتبه الأساسي 50 ألف ليرة يتقاضى شهرياً 250 ألف ليرة إضافية، بموجب هذا المرسوم مقابل تنفيذه الرحلات الاعتيادية.

 

هدر أطنان الفيول وخسارات برحلات وهمية

أما المفارقة هنا، فإن بعض المصادر أكدت أنه – وقبل مضي الشهر الأول على توقف الرحلات، وبدعوى تطبيق أنظمة الطيران المدني العالمي – وافقت المديرة العامة لشركة الخطوط السورية على تنفيذ رحلات غير تجارية خالية من الركاب فوق منطقة المطار بحجة تحقيق الركب الطائر للشروط.

ومحاباة لعناصر الركب الطائر، أهدرت مئات الملايين في عشرات الرحلات فوق المطار، بما تحمله من هدر وقود واهتلاكات وصيانة تزيد حتما على ما حققته من أرباح تشغيلية خلال الفترة الماضية! ورغم أن مدة الثلاثة أشهر لم تنته، ولكنهم حصلوا على تعويضاتهم كاملة منذ الشهر الأول، ولو على حساب الشركة؛ ولولا أن وزارة النقل تنبّهت للأمر في الشهر الثاني، وطلبت من الطيارين تقديم إجازات تكفل – بموجب المرسوم – حصولهم على التعويضات دون هدر، لاستمر المسلسل حتى الآن!

وللعلم، فالرحلة الوهمية تكلف المؤسسة عشرة أضعاف ما يأخذه الركب الطائر!! وعلمنا أن هذه الرحلات أهدرت عشرات الأطنان من الفيول، كحد أدنى من الوقود المستخدم!!

 

حجج وهمية للتمديد

ونسأل: لماذا التمديد للمدراء في الخارج رغم أن أعمالهم منتهية قانوناً، وأجروا الفحوصات المتعلقة بكورونا، ورغم ذلك يمدد لهم، ومنهم من دخل سورية لأكثر من مرة بعد التمديد، بحجة عدم السفر بعد كورونا؟ ولماذا تجري المؤسسة اختبارات لغة انكليزية، وتجري تدريبات، طالما تعمل على التمديد للمندوبين، وتترك الناجحين الجدد في خبر بعيد الإجابة؟ وكيف يعاد معاون المدير العام بعد قرار بإيفاده وكيلا، ويبقى في منصب المعاون أشهرا، رغم قرار الإيفاد، ورغم عدم جواز جمع منصبين؟ وكيف يتم إبعاده عن منصب معاون المدير العام، ولكن بعد ستة أشهر من عدم سفره بسبب كورونا، واعتذاره عن الإيفاد، يعاد تعيينه معاون مدير عام؟ لماذا التمسك بالاشخاص الذين لم يتركوا أية بصمة في عملهم؟ ولماذا الإصرار على الهيكلية بلا أعمال؟ ألم يتم الاكتفاء بالخسارة القائمة؟

ومدير المشتريات الذي قارب تعيينه العامين، وليس له توقيع على قرار أو لجنة.. ما هو الداعي لمنصبه طالما لا يعمل؟ وهل تعيينه مديرا فقط لإرساله مندوبا؟

 

شراء وهمي

ونسأل: لماذا لم تظهر نتائج اللجنة المشكلة الخاصة بإشكالية التجاوزات الحاصلة بوهمية شراء طائرة تم ايقاف إجراءاته؟ ولماذا لم تحدد أسباب إقالة ستة مدراء من “السورية” بسبب ما تم من تجاوزات بهذا الشأن؟

 

لجنة صياغة تبتعد عن الاساسيات

فصلت اللجنة التي صاغت بنود المرسوم من المؤسسة والمشرفين عليها بتفاصيل إدارية وأغفلت الأساسييات في التطلع لأداء مختلف؟ فلمذا تحديد سيعة أعضاء مجلس إدارة مع أن القانون ٨٤ حدده بتسعة اعضاء؟ ولماذا إغفال ممثل العمال عن المجلس رغم أنه يمثل ٣٢٠٠ عامل في المؤسسة، والمادة ٢١ من القانون ٨٤ تؤكد على تمثيل العمال بمندوب بالمجلس؟ وكيف يمكن لموظف أن يشتكي مجلساً، فيه الوزير ومعاونه ومدير المؤسسة ومعاونوه، على ظلم وقع عليه من الأشخاص أنفسهم الذين هم ربما مساهمون في ظلمه؟

 

بيع الخطوط وتخسير المؤسسة

أما الطامة الكبرى، فكانت في بيع “السورية” لرحلاتها إلى بيروت لشركة “أجنحة لبنان” بمبلغ ١٥٦ دولارا عن الراكب، لتتفنن “أجنحة لبنان” بابتزاز الركاب السوريين وبيع التذاكر بـ ٧٠٠ دولار، ومعظم الركاب رحلاتهم ترانزيت لخطوط أخرى بعد بيروت!! والأغرب عدم تقاضي السورية دولارا واحدا عن مستحقاتها لرحلات ما بعد بيروت!! وعدد الرحلات المباعة بلغ ثمانية رحلات؟ رغم أن السورية كانت تستطيع ارسال رحلاتها إلى بيروت وعدم فوات المنفعة بمئات آلاف الدولارات التي ذهبت إلى الناقل اللبناني باستغلاله الفاقع والصمت عنه الأكثر فقاعة!!

 

الجعبة تمتلأ بالاخطاء

والسؤال أخيرا: لماذا تدفع “السورية” مئتي ألف دولار رسوما لـ “آياتا” التي تعطيها شهادة كرتونية دون أي مقابل؟ فالانتساب إلى منظمة الطيران العالمية يستوجب تقديم خدمات كثيرة، كالتزود بالوقود وتقديم قطع الصيانة وخدمات أرضية في كل العالم، وهذا غير متوفر حاليا بسبب الظروف، وليس مطلوبا أن تهدر المؤسسة أكثر على مذبح التمسك بكرتونة انتساب، ولا مقابل واحداً قدمته “آياتا” لـ “السورية”!!

أما عن بيع المستودعات الذي تم بربع ثمن الموجودات وتشكيل لجنة للتحقيق بعد أن فاحت الرائحة، وما أعلنتته اللجنة من تجاوزات، فأمر يستحق التفرد بالتقصي والنشر، لأن ما تم هو تخسير فادح اامؤسسة وبيع للمستودعات بربع ثمنها!!

 

تقصير حتى باستيفاء الحقوق

ولماذا أغفلت المؤسسة تحصيل مئات الملايين كعوائد آجار مبنى المؤسسة في شارع الثورة، ولم تحصلها وهي تقارب المليار!؟ ولماذا لم تحصل الأموال من المندوبين الذين لم يحولوا إلى حساباتها أية أموال من أعمالهم، وهذا مثبت لعديد من المندوبين كمحطتي بروكسل وامستىرام، والرقم ملايين بالعملة الصعبة؟

والغريب أن “السورية” ترمي أموالها رحلات وهمية، وتهمل استرجاع أموالها ومستحقاتها، ولكنها تتفنن بسلب مستحقات الضعفاء من موظفيها وتمنع عليهم استحقاقات يستحقونها، وتضطرهم لدفع أكلاف محامين وقضاء لرفع دعاوى على “السورية”، لاسترداد أموالهم، وقد استرد البعض أموالهم بالقضاء، ومنهم مدراء، والبعض ينتظر!! أليس هذا استغلالا وآداء إداريا ضعيفا؟!

 

أين الاشراف والمتابعة؟

ولكن يؤسفنا أن يكون ضعف المتابعة من قبل المعاون الوزاري المسؤول، وإلقاء المسؤولية على الحصار والظرف العام، والأمر ليس كذلك!! لماذا لا نعترف أننا فاشلون إداريا، وأن فشلنا الإداري ينعكس على العمل، وحصر “السورية” بالمصالح المحدودة لأفراد معدودين أكثر من أن تكون رافدا لخزينة الدولة وللتطور المنشود والتنمية؟

علينا أن ندرك أن مؤسساتنا العامة تمثل بلدنا، و”السورية” اسمها كان براقا، ولديها طاقات وإمكانيات كانت تؤهلها لإعمار الطائرات، وكانت في مصاف الشركات الأولى، وتراجعت كثيرا لتواتر الإدارات الضعيفة، والتي تمرر المصالح على حساب العمل والآداء، وأن دورها – كتقييم ربحي – ليس محصوراً بالجباية فقط، وأن بإمكان إدارتها تحصيل الأضعاف من استثمار ممتلكاتها وطاقة موظفيها.. وكفانا اتكاء على الحصار، ولنعترف بواقع فشلنا ونسعى للتطوير والتنمية!!