“العد التنازلي”.. ماذا سيحل بالجنس البشري في غضون السنوات القليلة القادمة؟
“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة وإعداد: سمر سامي السمارة
لم يعد خافياً على أحد أن بيل غيتس والمدافعين عن أجندة “التنمية المستدامة 2030” التي أقرتها لأمم المتحدة، هم أيضاً المروجون المخلصون لعلم تحسين النسل البشري. واليوم، تظهر أبحاث جادة أن “الزراعة العلمية الحديثة” التي تنتشر من خلال الاستخدام الانتقائي للمواد الكيميائية الزراعية السامة، والمبيدات الحشرية التي تعتبر آمنة وغير آمنة، تشكل واحدة من أكثر الطرائق فعالية لتخفيض التعداد السكاني. وبحسب كتاب” العد التنازلي” الذي صدر حديثاً لعالمة الأوبئة البيئية والإنجابية في كلية إيكان الطبية في نيويورك، شانا سوان، فإن الخصوبة الذكرية في الدول الصناعية الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، تنخفض بمعدلات خطيرة، وتقدر سوان أن متوسط الخصوبة، خلال العقود الأربعة الماضية، انخفض بنسبة 50٪، أو أكثر. بعبارة أخرى، فإن الشاب الذي يسعى اليوم إلى تكوين أسرة لديه نصف فرص الإنجاب التي كان يتمتع بها أجداده.
وتشير تقديرات سوان إلى أنه، ما لم يتم تغيير التعرض للمواد الكيميائية السمية في الزراعة والبيئة بشكل جذري، فقد تتقلص القدرة على التكاثر بشكل طبيعي لفترة أطول. وبحلول عام 2050، سيحتاج معظم البشر في البلدان الصناعية، بما في ذلك الصين، إلى تكنولوجية للإنجاب بمساعدة طبية.
يعرض الكتاب تفاصيل إضافية لدراسة علمية شاركت فيها المؤلفة، عام 2017. وكانت سوان تناولت بالتحليل المتأني ما مجموعه 244 تقديراً لتركيز وإجمالي الخصوبة، من 185 دراسة على 42935 رجلاً ممن قدموا عينات من السائل المنوي، ما بين عامي 1973 و2011.
في الحقيقة، كانت النتيجة مقلقة للغاية، ومع ذلك، باستثناء بعض عناوين وسائل الإعلام، لم تحدث العواقب الناجمة أي تغييرات، حيث ضغطت شركات المواد الكيمائية الزراعية الهائلة، كـ “باير”، و”مونستانو”، و”سينجنتا”، و”دوبونت” على المنظمين لتجاهل النتائج.
وجدت سوان أن “من بين الدراسات الغربية غير المنتقاة، انخفض متوسط تركيز الحيوانات المنوية بمعدل 1.4٪ سنوياً، مع انخفاض إجمالي بنسبة 52.4٪ بين عامي 1973 و2011”. أي أن الخصوبة انخفضت بنسبة 59٪ لدى الرجال الذين تم اختيارهم بشكل عشوائي لفحص خصوبتهم، في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا، كما هي مستمرة في الانخفاض عاماً بعد عام.
ومن الجدير بالذكر أن انعدام الدعم الجاد للدراسات الجديدة تسبب بمحدودية البيانات التي يجري تحديثها. ووفقاً لإحدى الدراسات، استوفى أكثر من نصف المتبرعين المحتملين بالحيوانات المنوية في مقاطعة هونان، في الصين، قبل خمسة عشر عاماً، معايير الجودة، أما الآن فإن 18٪ فقط يستوفون هذه المعايير، وهو انخفاض يُعزى إلى المواد الكيميائية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء، كما سجل باحثون في تايوان انخفاضاً مماثلاً في الخصوبة، ونتيجة مماثلة في دول أخرى. وخلصت سوان إلى أن “الصحة الإنجابية للذكور، في مأزق، الأمر الذي ينطوي على عواقب تتجاوز القدرة على الإنجاب، بل تؤثر أيضاً على صحة الرجل”.
اضطرابات الغدد الصماء
تعتقد سوان أن السبب يعود للتعرض الهائل للمواد الكيميائية السمية التي تم استخدامها بكثرة في العقود الأخيرة، خاصة المعروفة باسم “المواد المسببة لاختلال الغدد الصماء“، أو مشوشات الهرمونات الصماوية”. وتشير إلى “المواد الكيميائية التي تجعل المواد البلاستيكية لينة، مثل الفثالات، أو المواد الكيميائية التي تجعل البلاستيك صلباً مثل البيسفينول، أو المواد الكيميائية التي تعمل على تثبيط اللهب، والمواد الكيميائية الموجودة في التفلون، وكثير من مبيدات الآفات..”. وهنا، لابد لنا من الإشارة إلى أن المبيدات هي المجموعة التي يجب أن تُدق أجراس الإنذار بخصوصها، إذ تبين بالأدلة أنها تصل إلى المياه الجوفية والسلسلة الغذائية البشرية. وتحتوي مبيدات الأعشاب الضارة، التي تُباع تحت الاسم التجاري “راوند آب”، وهي أكثر مبيدات الآفات استخداماً في العالم، على مادة مسرطنة محتملة هي الغليفوسات، والآزاترين، وتصنعها شركة “سينجينتا” التي تملكها اليوم شركة “كيم تشينا”.
آثار الأترازين
في العام 2010، أجرى تايرن هايز، عالم الأحياء الأمريكي، وأستاذ علم الأحياء التكاملي غي جامعة كاليفورنيا، بيركلي، بحثاً حول تأثير تعرض الضفادع لمبيد الأعشاب أترازين، ووجد أن مبيدات الآفات التي تُستخدم على نطاق واسع في محاصيل الذرة وقصب السكر، في الولايات المتحدة، هي إحدى عوامل اختلال الغدد الصماء التي تزيل الذكورة عن الضفادع الذكور وتؤنثها، وقال أن “ذكور الضفادع تفتقر إلى هرمون التستوستيرون، وكافة الأشياء التي يتحكم بها التستوستيرون، بما في ذلك الحيوانات المنوية، مضيفاً أن أغلب الأدلة تظهر أن الأترازين يشكل خطراً على الحياة البرية وصحة البشر”.
فالأترازين مادة كيميائية تتداخل مع عمل أنظمة الغدد الصماء، وتسبب الاختلال بها، كما أنها ثاني أكثر مبيدات الأعشاب استخداماً في الولايات المتحدة بعد منتج الغليفوسات “راوند آب”، لـ “مونسانتو”.
وعلى الرغم من الأدلة، فقد اتخذت وكالة حماية البيئة الأمريكية، في العام 2007، قراراً مثيراً للجدل ينص على أن “الأترازين لا يؤثر سلباً على التطور الجنسي للبرمائيات، ولا يوجد ما يبرر إجراء اختبارات إضافية”. وهنا، لابد من الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي حظر، في العام 2004، الأترازين قائلاً إن شركة “سينجينتا” فشلت في إثبات سلامته في مياه الشرب.
كما أن مبيد الأعشاب الضارة غليفوسات، “راوند آب”، والذي يتسبب باختلال الغدد الصماء، هو المبيد الأكثر استخداماً في العالم، إذ تستخدمه أكثر من 140 دولة، بما فيها روسيا والصين. وقد تفجر استخدامه بشكل كبير في السنوات الأخيرة على المحاصيل المعدلة وراثياً في الولايات المتحدة، مثل الذرة وفول الصويا اللذين يشكلان 90٪ من الذرة والفول الأمريكيين. وبين عامي 1996 و2017، عندما قامت شركة “مونسانتو” بترخيص الذرة وفول الصويا المعدلين ورائياً في الولايات المتحدة، ازداد تعرض الأمريكيين للمادة الكيميائية بنسبة 500%، إذ ثبت وجوده في مياه الشرب، والحبوب في المتاجر، وفي بول النساء الحوامل، ما يعني أن جميع اللحوم والدواجن نقريباً مشبعة بالغليفوسات من علف الحيوانات.
ووجدت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة فليندرز في أستراليا أن منتج “راوند آب” قتل الخلايا التي تنتج هرمون البروجسترون لدى النساء، ما أدى إلى انخفاض مستوياته. وقد تم ربط الغليفوسات و”راوند آب” بالعيوب الخلقية ومشاكل الإنجاب وأمراض الكبد، وقد ثبت أن لهما القدرة على إلحاق الضرر بالحمض النووي للحبل السري البشري، وخلايا المشيمة والجنين”.
وفي العام 2015، فحص علماء من نيجيريا الآثار المشتركة الناتجة عن التعرض لكل من الغليفوسات والأترازين على الفئران، فوجدوا أن هذا المزيج كان الأسوأ لجهة تأثيره على الحيوانات المنوية، وتركيبة التستوستيرون والأجهزة التناسلية للذكور.
وفي العام 2016، اشترت شركة الكيماويات الصينية العملاقة المملوكة للدولة “تشيم تشاينا” شركة” سينجينتا” السويسرية للبذور والمبيدات، مقابل 43 مليار دولار. وفي ذلك الوقت، كانت “تشيم تشاينا” تملك حقوق التوزيع في الصين، ودول آسيوية أخرى، لمنتج شركة “مونسانتو” الأمريكية “دروند آب” أيضاً؛ هذا وتدرج “تشيم تشاينا”، على موقعها الإلكتروني، الأترازين ضمن مبيدات الأعشاب التي تبيعها، واصفة إياه بـ “مبيد أعشاب آمن وفعال لحقول الذرة..”. إضافة إلى ذلك، تشيم تشاينا” هي المنتج الرئيسي للغليفوسات لسوق الزراعة الصينية.
وتواجه الصين اليوم أزمة زراعية كبيرة، وتكافح لإيجاد سبل لضمان الأمن الغذائي. وتشير التقارير إلى أن زيادة دور المحاصيل الكائنات المعدلة وراثياً، مع براءات الاختراع الصينية، سشكل جزءاً جوهرياً من خطة خمسية جديدة، ما يعني بلا شك استخدام الغليفوسات والأترازين. وفي الوقت نفسه، تشعر الدولة بالقلق على نحو متزايد حيال انخفاض معدل المواليد الذي لم يتحسن على الرغم من التخفيف من سياسة الطفل الواحد.
مع استخدام المزارعين الصينيين لكميات كبيرة من مبيدات الآفات الكيميائية، بما في ذلك الغليفوسات والأترازين لتحسين الإنتاجية، فإنهم يسعون إلى تركيبة كارثية لن تحل أزمة الغذاء المتزايدة قط، بل وقد تدمر القدرة الإنجابية لعدد كبير من سكان الأرياف في الصين، والبالغ عددهم 890 مليوناً، فضلاً عن الملايين من سكان المدن.
هل من المسموح استخدام هذه الكيماويات الزراعية وغيرها من المواد الخطرة التي تسبب اضطراب الغدد الصماء، بسبب تجاهل المسؤولين لتأثيرها الخطر على التكاثر البشري؟ وهل هي موجودة فقط بسبب جشع الشركات لتحقيق أرباح مفرطة؟
لفهم ما يجري، لابد من الاقتباس من مذكرة الأمن القومي (NSSM200) التي كتبها هنري كيسنجر، سنة 1974، والتي حملت عنوان “علم تحسين النسل”، وتبناها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد كـ “سياسة أمريكية رسمية”، ومن اقتباس لـ بيل غيتس.
يقول كسنجر: “ينبغي أن يكون الحد من التعداد السكاني هو الأولوية القصوى للسياسة الخارجية تجاه العالم الثالث، لأن الاقتصاد الأمريكي سيتطلب كميات كبيرة ومتزايدة من المعادن من الخارج، وخاصة من البلدان النامية”.
والاقتباس من بيل غيتس: “يضم العالم اليوم 6.8 مليار شخص.. ومتجه ليصبح تعداده 9 مليارات.. يمكننا، إذا قمنا بعمل ناجح في مجال اللقاحات والرعاية الصحية وخدمات الصحة الإنجابية، خفض ذلك العدد بنسبة قد تتراوح بين 10 إلى 15 في المائة”.