“العرس” تفتتح احتفالية يوم المسرح.. تهريج أكثر منه تهكماً ساخراً
يعدّ نص مسرحية أنطون تشيخوف “العرس” الذي كتبه عام 1889، واحداً من أهم أعماله الأدبية التي أراد فيها التهكم من المظاهر الاجتماعية المتعالية على الواقع، والتي تتسابق العائلات على التفاخر المخادع بها.
هذا النص اختاره المخرج المسرحي فهد الرحمون ليكون العرض الافتتاحي لاحتفالية يوم المسرح العالمي، مع فرقة “إشبيلية” لنقابة المحامين في حمص التي تضمّ مجموعة من الشباب الأكثر من هواة مسرح، نظراً للأداء الاحترافي المتميّز للشخصيات التي رُسِمت للعرض، بغضّ النظر عن ملامح كل شخصية في نص تشيخوف.
المهمّ في هذا العرض أن التناغم الواضح في الأداء بين الممثلين جعل الإيقاع العام يسير وفق ضوابط احترافية منتظمة دون أي ارتباك أو تردّد، هنا كان الممثلون يدركون تماماً الرسالة التي يحملونها والغاية المطلوب منهم تحقيقها، لكسب تفاعل الجمهور معهم، وهذه الغاية كان المخرج رحمون خبر ردات فعل الجمهور تجاهها في أعماله السابقة، ولاسيما في عرضه السابق في مهرجان حمص الأخير “اللص الظريف” عن نص للإيطالي داريو فو، فالمخرج يلجأ إلى النصوص الكوميدية الساخرة ليعمل على بناء رؤيته للشكل العام للفضاء المسرحي، ومن ثم يقوم بتكوين كركترات الشخصيات كلّ على حده لربطها فيما بعد بعضها ببعض ضمن مفارقات كوميدية هزلية تشدّ الجمهور للتفاعل معها بحماسة وحيوية.
رغم أنه لا يحيد عن حرفية النص الأصلي، ولا يترك هوامش للارتجال، والإسقاط المحلي، مع هذا نجده ينجح في تبديد تلك الهالة المرتبطة بالنصوص الأجنبية، وتحويلها إلى نكهة مسرحية ممتعة ومحبّبة محلياً وجماهيرياً. لكنه يشطُّ في بعض المواقف في توسيع مساحة الكوميديا التي تتحوّل إلى عبث وتهريج فاقع يحدث فجوة تفرغ النص الأصلي الهادف من رسالته وغايته، أحياناً، ليصبح استجداء الضحك والهرج في المسرح هما الغاية والمبتغى بعيداً عن الفعل التهكمي من الواقع الذي يجب أن يبقى أثره واضحاً في نفس المتلقي عند خروجه من باب المسرح.
وهنا لابد من التوقف عند دور الجنرال الذي أداه رامي جابر مستغلاً كل التفاصيل المكوّنة للشخصية شكلاً ومضموناً إلى حدّ المعايشة والتقمّص التام للدور الذي يعتبر الركيزة والحامل الأساسي للفكرة والمواقف المتأرجحة باتزان بين التراجيديا والكوميديا، استطاع رامي التنقل بينها بعفوية وإتقان. وشخصية “يات” لثائر محمد التي لم تكن بصعوبة شخصية الجنرال المركبة، لكنه قدّم شخصية متزنة قاربت رسم تشيخوف دون مبالغة في التهريج واللجوء إلى الحركات الاستعراضية غير المجدية، واستطاع الاحتفاظ بسوية الأداء الهادئ الواثق بالنفس، والمقاربة الفعلية للفكرة العامة للنص.
فكرة نص “العرس” تدور حول عائلة تقيم عرساً لابنتها، وتحرص والدة العروس على حضور جنرال للعرس للتفاخر بين الناس، ولتحقيق هذا الأمر تدفع 250 روبلاً لأحد السماسرة الذي يعدها بإحضار جنرال إلى العرس، لكن السمسار يأخذ المبلغ، ويقنع مقدماً عجوزاً متقاعداً من البحرية حضور العرس فيخدع أم العروس والجنرال معاً، وعندما يفتضح الأمر يشعر الجنرال بالخيبة والحزن من الواقع البشع الذي وصلنا إليه، وسيطرة المظاهر اللا أخلاقية على علاقاتنا الاجتماعية.
فكرة بسيطة متجدّدة في الزمان والمكان.
آصف إبراهيم