الفجوة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
هيفاء علي
بحسب خبراء الاقتصاد الغربيين، يمكن أن تفسر ديناميات التحصين من فيروس كورونا، وحجم برامج المساعدة تباين المسارات بشكل متزايد للانتعاش الاقتصادي، و من المرجح أن تسجل أوروبا ضعف معدل النمو مقارنة بمعدل النمو في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك قد يجد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نفسه في صراع مع البنك المركزي الأوروبي.
منذ بدء جائحة كورونا، بدأت تحدث ندوب في أوروبا أعمق مما هي عليه في الولايات المتحدة، ذلك أن استجابتهم الحالية للأزمة تعني أن هذه الاقتصادات عبر الأطلسي مهيأة لمزيد من القطيعة عن بعضها البعض.
في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال هناك فجوة الإنتاج، أي الفجوة بين المستوى المرصود للناتج المحلي الإجمالي ومستواه المحتمل فهي كانت في بداية العام أعلى بمقدار ضعفين مقارنة بالمؤشر الأمريكي. وهذا يعني أن الاقتصاد الأوروبي قد خلق عدداً أقل من الوظائف مع انخفاض الطلب وتضخماً أقل.
وبحسب الخبراء سوف تستمر أمريكا في المضي قدماً هذا العام، بينما تتخلف أوروبا عن الإنفاق الحكومي الأقل طموحاً، وتعمل على تشديد القيود على الأعمال التجارية ووتيرة النمو.
في هذا السياق يقول إريك نيلسن كبير الاقتصاديين في بنك “أوني كريدي” الايطالي: “من الواضح أن الولايات المتحدة في طريقها لنشر النمو الاقتصادي المتوقع قبل وباء الفيروس التاجي العام، بينما لا يتوقع حدوث مثل هذا الشيء في أوروبا في السنوات القادمة”.
بعد أن وافقت الحكومة الأمريكية على إنفاق 1.9 تريليون دولار الأسبوع الماضي، فإن الاقتصاد الأمريكي هذا العام سيحصل على فائدة من الحوافز المالية السائلة تصل إلى 11-12٪ من الدولار من الناتج المحلي الإجمالي، أو ثلاثة أضعاف الناتج المتوقع.
في المقابل، ستضيف الإجراءات المالية الجديدة التي خططت لها 19 دولة في منطقة اليورو، بما في ذلك النفقات الإضافية لتحقيق خطط المساعدة، وعائدات الضرائب غير المحصلة والمدفوعات من صندوق التحفيز الأوروبي البالغة 750 مليار يورو ، 6٪ فقط إلى الناتج المحلي الإجمالي، أي 70٪ فقط من فجوة الناتج المحلي الإجمالي في هذه الكتلة. بينما يكافح الاتحاد الأوروبي لتحقيق خطته لتطعيم 70٪ من السكان البالغين بحلول أيلول، بسبب التأخير في إنتاج اللقاح، فضلاً عن الشكوك حول الفعالية والآثار الجانبية المحتملة للقاح”ازيترا زينيسا”.
وسيؤثر التأخير في التحصين وعدم كفاية السياسة المالية على النمو الاقتصادي في الأرباع القادمة. فمن المرجح أن تحقق أوروبا نصف نمو الولايات المتحدة فقط هذا العام، بحسب فيتور كونستانسيو نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي. كما تحدثت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي عن وجود “فجوة مؤقتة” بين خطط التحفيز الضريبي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لقد انكمش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 6.6٪ العام الماضي، وبالمقارنة تقلص الاقتصاد الأمريكي بنسبة 3.5٪ ، ما يعني أنه ليس الانتعاش الذي ينتظر الكتلة الأوروبية في الربع الأول من هذا العام، ولكن الركود المزدوج لربعين متتاليين.
ووفقاً للتوقعات الصادرة الأسبوع الماضي من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سيظهر النمو الاقتصادي الأمريكي 6.5٪ هذا العام، و 4٪ العام المقبل، مقابل 3.9٪ و 3.8٪ على التوالي في منطقة اليورو.
ووفقاً لفيتور كونستانسيو، فإن أحد الخيارات المقترحة هو استبعاد 350 مليار يورو من القروض من ميزانية التحفيز الأوروبية من تقييم الدين الوطني. أما أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي (IMF)، فيرى أن الدعم الأكثر نشاطاً ضرورياً فيما يتعلق بالإجراءات المالية، وسيعتمد ذلك على سلوك الطلب الخاص والتفاؤل وانتهاء فترة توفير الأموال للطوارئ بسبب حالة عدم اليقين.
من جهة أخرى، يمكن أن تحدث فجوة أخرى في السياسة النقدية، لجهة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يتبنى أي تغييرات مهمة على المدى القريب لأنه قد وضع بالفعل معايير عالية جداً لأسعار الفائدة، كما قلل من برنامج الاستحواذ على الأصول. ولكن إذا كان التعافي في الاقتصاد الأمريكي “فلكياً” هذا العام واقترب من المعدل الكامل العام المقبل، فإن البنك المركزي الأمريكي سيتحدث عن تعليق الدعم الاقتصادي في وقت أقرب مما هو متوقع.
في النهاية، سيجد بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه في صراع مع البنك المركزي الأوروبي، الذي أعلن عن تسارع كبير في تنفيذ خطة الاستحواذ على الأصول، ووفقاً لتوقعاته، سيظل التضخم في غضون عامين أيضاً أقل بكثير من المعدل المستهدف.