حيتان السوق يراهنون على “المضاربة بالتجارة” لانهيار سعر الصرف مجدداً؟!
قسيم دحدل
طالما سمعنا على لسان مصادر رسمية – فضلت عدم الكشف عن اسمها وصفتها الوظيفية – أن الارتفاع الوهمي لسعر الصرف ناتج بالدرجة الأولى عن عمليات المضاربة غير المشروعة، وأن مصير هذا الارتفاع سيكون هبوطاً حاداً خلال أيام قليلة، وهذا ما تم فعلاً، ولو أنه ليس بالنسبة التي كان يجب أن تتم مقارنة بحقيقة مؤكدة وهي أن ما كان قبل أيام هو سعر وهمي ومبالغ به لناحية سعر الصرف، وأن هناك زيادة نسبية في أرقام الصادرات، وكذلك الحوالات، مقابل تراجع أرقام المستوردات وما يعنيه هذا ـ منطقياً ـ من تراجع الطلب على الدولار.. إلخ.
ولن نجادل فيما سبق لكون الطرح استند لمنطق الأمور، علماً أننا بتنا على يقين أنه ليس هناك منطق يحكم ما يتم ويحدث، وهنا بيت القصيد الذي سنشير إليه ونطالب بالتحقق منه والتحقيق فيه، كون المضاربة خرجت عن مسارها التقليدي لتتخذ أشكالاً وأساليب تتلوّن وفقاً لكل قرار رسمي يصدر يُجرّم المضاربة بالعملة.. أساليب يتملَّص مرتكبوها من تبعاتها كونها ظاهرياً لا تدخل في خانة المضاربة المباشرة، لكنها في الحقيقة نوع من المضاربة الفعلية التي تصب بالنهاية في خانة المضاربة التقليدية!
مليارات غير مشروعة
هذا النوع من المضاربة يعمد إليه التاجر أو الصناعي للإبقاء على سهم الأسعار محلّقاً، ومن ذلك مثلاً المضاربة بالسلع التموينية، احتكاراً أو تخزيناً، والتحكم بسوق عرضها وطلبها، وبالتالي التأثير المباشر في تفشيل وإبطال مفاعيل أي قرار قد يحد منها، ويضع حداً للوهمي في سعر الصرف، وصولاً إلى الغاية المنشودة وهي الإبقاء على ربط السعر المرتفع بسعر صرف مرتفع، وجني مليارات الأرباح خلال فترة قياسية، وهي أرباح غير مشروعة، وفوق ذلك تُسرق من جيب المواطن والخزينة العامة، بتواطؤ مشبوه من بعض “الأزلام” في الجهات المعنية بالرقابة والمتابعة؟!.
المضاربة بغذاء المواطن
في هذا الشأن، إليكم ما لدينا من أدلة تؤكد ما نذهب إليه، فوفقاً لما حدث قبل أيام، استطاعت الإجراءات الحكومية خفض سعر الصرف، وكان من المفترض أن يترافق ذلك مع هبوط في الأسعار بنسب توازي أو تتناسب مع انخفاض سعر الصرف، ولكن ما حال دون ذلك، بالقدر المتوقع والمأمول، تورط حيتان المال والأعمال من تجار ومستوردين وغيرهم في عمليات المضاربة بأشكال غير مباشرة أدت لإحباط ما اتخذ على صعيد ضبط جنون الأسعار اللحظي الذي كان لسعر الصرف الوهمي الأثر الأول والأكبر في حدوثه.
أحد حيتان التجارة، ممن يمتلكون ماركة معروفة، يشتغل بتغليف المواد والمنتجات الغذائية (الناشفة)، من أرز وبرغل وعدس وحمص وفول وذرة.. إلخ، وبعد نزول سعر الصرف مباشرة، طلب، على وجه السرعة، ممن يديرون ما تسمى بـ “المستودعات” (وهي في الحقيقة أماكن تندرج في خانة اقتصاد الظل، كونها خارج أية تغطية رقابية أو تموينية أو مالية)، إغلاق وإيقاف كل شيء، وسحب كل سيارات التوزيع لمنتجاته من السوق مباشرة ريثما يُتخذ على الشيء مقتضاه.. هذا ما نقله لنا مباشرة أحد العاملين في مستودعات ذلك التاجر، مؤكداً أنها ليست المرة الأولى التي يعمد فيها هذا التاجر إلى مثل هكذا إجراء، أملاً بتسليط الضوء على هذه القضية بهدف وضع حد لها، كونها تكرّس و”تعزّز” عمليات المضاربة للإبقاء على سعر صرف مرتفع؟!.
يراهنون؟!
كذلك تحدث أحد المستثمرين عن أزمة أعلاف قوية، بعد خفض سعر الصرف، بسبب امتناع تجار الذرة والصويا عن البيع، بالرغم من استلامهم دعم المستوردات على سعر 1250 ليرة، موضحاً أنهم بهذا الفعل لا يسرقون المال العام فقط، بل إنهم بلجوئهم إلى إغلاق مستودعاتهم وعدم تزويد المربين باحتياجاتهم يراهنون على انهيار سعر الصرف مرة أخرى بالقريب العاجل؟!.
أين الجهات المختصة؟!
أمثال هؤلاء من تجار ومستوردين يعمدون لأسلوب ما يمكن أن نطلق عليه “المضاربة بالمتاجرة” الذي لا تشمله شكلاً المراقبة والمحاسبة والمعاقبة، لكنهم في مضامين ما يرتكبون يجب أن يُدانوا ويُحاسبوا استناداً للقرارات الرسمية الرادعة والمُجرّمة لعمليات المضاربة التقليدية بالعملة، حيث إنهم لجؤوا إلى المضاربة بالمواد الأساسية من خلال تعمدهم احتكارها واحتجازها ومنع طرحها في السوق، وعليه لابد من استنفار الجهات الرقابية والمالية، وفي مقدمتهم هيئة المنافسة ومنع الاحتكار التي لم يعد لها من اسمها سوى العنوان لرصد وضبط ما يحدث، وإحالة مرتكبي ذلك إلى القضاء؟!.
Qassim1965@gmail.com