حين يسطو بايدن على “قلق” بان كي مون!!
أحمد حسن
لم يجد “جو بايدن”، رئيس ما يفترض أنها أكبر دولة في العالم، وسيلة للتعبير عن موقف بلاده من الاتفاق الاستراتيجي الجديد بين ايران والصين إلا “السطو” على عبارة بان كي الشهيرة، “القلق” الذي “يشعر به حيال هذا الأمر منذ سنوات”، كما قال.
هنري كيسنجر، المفكر الاستراتيجي وحكيم العالم الغربي كما أصبح يُعرف، كان قد حثّ واشنطن للتفاهم مع بكين على نظام عالمي جديد “من أجل ضمان الاستقرار”، لأنه يخشى من الوصول إلى مرحلة “أكثر خطورة من مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى في أوروبا”. زبغنيو بريجنسكي الاستراتيجي الشهير الآخر كان قد انضم، سابقاً، لـ”كسينجر”، واستراتيجيين آخرين، في التحذير من مغبة استعداء الصين وروسيا معاً.
بيد أن “الحكيم”، الذي كان “فاتح” العلاقات مع الصين سابقاً، لم يجد، حتى الآن، حكماء يستمعون إليه. “أنتوني بليكن” وزير الخارجية يصف الصين بأنها “أكبر اختبار جيوسياسي يواجه الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين” مؤكداً على ضرورة تجميع الحلفاء ضدها، هؤلاء جاهزون. بريطانيا كانت، كالعادة، أول من يلبي النداء معلنة العداء للصين والاستعداد للمجابهة بقرار زيادة مخزون الأسلحة النووية في ترسانة لندن بنسبة 40 في المئة. يبدو أن شبح “كلب بوش”، كما كانت وسائل الإعلام العالمية، والبريطانية أيضاً، تسمي “توني بلير”، يرفض مغادرة “تن داوننغ سترتيت” حتى لو كانت قراراته تؤثّر “على مصالح الشعب البريطاني نفسه الذي سيخسر فرص التعاون الاقتصادي مع بكين، كما مليارات الجنيهات الاسترلينية المأخوذة من جيوب الناخبين، لصالح إسراف عسكري لا يحتاجه أمن المملكة”. كما تقول وسائل الإعلام البريطانية ذاتها.
بالطبع لا تنطلق رغبة “كيسنجر” بالتفاوض من مصلحة إنسانية عليا، فالرجل مسؤول بصورة مباشرة عن ملايين الضحايا الذين سقطوا في العالم حين كان عضواً فاعلاً في الإدارات الأمريكية خلال سبعينات القرن الماضي، لكنه، وهذا حقه الطبيعي، ينطلق من حرصه على وضع بلاده العالمي، فبرأيه أن التفاوض اليوم مع بكين، أفضل من انتظار الغد، وأن التأخير فيه سيجعل العالم في مواجهة “فترة خطيرة مثل تلك التي سبقت الحرب العالميّة الأولى مع فارقٍ أساسيّ وهو امتلاك المعسكرين، الغربي والصيني، أسلحةً تكنولوجيةً متقدمة جداً، قد تُستخدم في أيّ مواجهة عسكريّة”.
كلام كيسنجر دقيق ومحق، لكن المسكوت عنه هو ما أصبح معلوماً للجميع. الغرب يخسر ريادته وسطوته و”بلطجته” على العالم شيئاً فشيئاً. “الاتفاقية” السالفة الذكر التي وصفتها “نيويورك تايمز” بأنها “تؤثر على الخطط الأمريكية لعزل إيران” هي دليل صارخ. ما يعني أن “جزرة” بايدن التي قدّمها لطهران حين تراجع عن مطالبته إياها بشرط الالتزام أولاً ببنود الاتّفاق النووي القديم للعودة إلى المباحثات، “طلعت فاسدة”.
بهذا المعنى يمكن القول: إن الرجل الذي “سطا” على عبارة “كي مون” كان يسطو أيضاً على شعور الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بالعجز لمعرفته التامة بقصور الوسائل الموضوعة بين يديه عن تحقيق النتائج التي يرغبها، وإذا كان ذلك مفهوماً في حالة “مون” إلا أن “قلق” بايدن مؤشر جديّ إلى خسارته نقطة هامة في السباق العالمي إلى القمة، خاصة وأن بكين لم توارب في قولها بعد الاتفاق أنها “ستبذل جهوداً لحِماية الاتفاق النووي الإيراني، وتدافع عن مصالحها المشروعة في إيران”. هذا إعلان واضح عن اصطفافات جديدة.. واستعدادات جديّة للمواجهة.
بريجنسكي –الاستراتيجي- يتقلب الآن في مثواه الأخير، فبلاده لم تكتف باستعداء بكين وموسكو معاً بل تعمل “بنشاط” لتوسيع قائمة أعدائها وتجميعهم ضدها يوماً إثر آخر.
كيسنجر –الحكيم- يرى أن “على الغرب أن يؤمن بنفسه.. هذه هي مشكلتنا الداخلية، إنها ليست مشكلة الصين”. هذا كلام صحيح في جانب وخاطئ في آخر، فالمفارقة أن الغرب يؤمن بنفسه أكثر من اللازم.. وتلك مأساة عالمنا اليوم.