دراساتصحيفة البعث

فضيحة الكمامات تهدد بانهيار المحافظين في ألمانيا

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

 

أثارت فضيحة صفقات الكمامات زلزالاً مدوياً في الحزب المسيحي الديمقراطي CDU الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في أكبر أزمة يواجهها المحافظون منذ فضيحة الصناديق السوداء التي تسببت بالإطاحة بالمستشار هلموت كول أواخر التسعينيات.

وبحسب استطلاع للرأي مؤخراً، تراجعت شعبية التكتل الذي تتزعمه ميركل لدى الناخبين الألمان من 37 بالمئة في بداية شباط إلى 28.5 حالياً، ويعود السبب لفضيحة صفقات الكمامات التي تورطت فيها عدد من قيادات التكتل، وبسبب إدارة الحكومة الكارثية لأزمة كورونا التي قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في ألمانيا بعد أشهر من مغادرة ميركل للسلطة.

لا شك أن المستشارة ميركل كانت تأمل بمغادرة سدة الحكم وهي في أوج شعبيتها، غير أن المؤشرات الحالية ترسم صورة مغايرة، فآمال سيدة أوروبا القوية تصطدم بسلسلة من الفضائح المتوالية التي انفجرت داخل حزبها، وحليفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي، فقد اضطر نائبان من الحزبين إلى الاستقالة للاشتباه بتقاضيهما مئات الآلاف من اليوروهات لقاء قيامهما بوساطة في عقود أبرمتها السلطات لشراء كمامات واقية من فيروس كورونا، لقد جاء انفجار فضيحة الكمامات في أسوأ توقيت للمحافظين على بعد أشهر من استحقاقات تشريعية مصيرية ستقرر أيضاً اسم الشخصية التي ستخلف ميركل في منصب المستشارية، حيث يسعى أرمين لاشيت المنتخب حديثاً على رأس الحزب الديمقراطي المسيحي لقيادة المعسكر المحافظ في الحملة الانتخابية، بينما يقاسمه ماركوس زودر رئيس حكومة ولاية بافاريا الطموح نفسه، ما ينذر بمنافسة شرسة قد تضعف الإخوة الأعداء قبيل المعركة المصيرية.

وتزامنت فضيحة الكمامات تلك مع سياق جائحة كورونا التي يعاني الألمان من قيودها منذ أكثر من عام، وباتوا يعربون عن شكوكهم تجاه استراتيجية الحكومة للقضاء على الوباء، حيث ازدادت مشاعر الاستياء بعد اندلاع الموجة الثالثة، وصعوبة التزود باللقاحات، وبهذا الصدد قال تورستن فراي نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتكتل المسيحي: “كانت هذه بالتأكيد واحدة من أخطر الأزمات التي تواجهنا كتكتل خلال العشرين عاماً الماضية”.

تكبّد المحافظون الألمان انتكاسة غير مسبوقة في الانتخابات المحلية التي أجريت في ولايتين رئيسيتين (بادن فورتمبرغ وراينلاند بفالتس)، وسجّل الحزب الديمقراطي المسيحي أسوأ نتيجة انتخابية له في الولايتين، ولم يحصد حزب ميركل سوى 23.3 بالمئة من الأصوات في بادن فورتمبرغ مقابل 27 بالمئة قبل خمس سنوات، فيما حصل على 26 بالمئة من الأصوات في راينلاند بفالتس مقابل 31.8 بالمئة عام 2016، وحسب محللين سياسيين فإنه وقت عصيب للحزب الديمقراطي، وهو أشبه بالهزيمة الانتخابية، وهذه النتائج ستكون نذير شؤم بشأن ما ينتظر المحافظين في الانتخابات التشريعية العامة المقررة في 26 أيلول.

وأكد بول زيمياك الأمين العام لحزب ميركل أن فضيحة الكمامات أثّرت على نتيجة الانتخابات، ووعد بعدم التسامح حيال المتورطين في ارتكاب اختلاسات مالية، أو من حققوا ثراء مستغلين أزمة الجائحة، فهل تغير فضيحة الكمامات كل شيء؟.

منذ سنوات وعد الحزب الديمقراطي المسيحي بالالتزام بقواعد سلوك أخلاقية صارمة، غير أن الوعود ظلت حبراً على ورق، لأن أحداً لم يهتم بها، وبعد الفضائح الحالية بات الكل يدقق النظر بعناية في تلك القواعد، ولا يمكن أن تكون البداية الجديدة التي وعد بها المحافظون ذات مصداقية إلا إذا كان قادة الحزب يسعون حقاً للتدقيق من الآن فصاعداً في سلوك المسؤولين بعد انتهاء هذه القضية.

حسب استطلاع للرأي، تلقي الهزائم الانتخابية المحلية بظلالها على حظوظ أرمين لاشيت المنتخب حديثاً على رأس الحزب الديمقراطي المسيحي كمرشّح لمنصب المستشارية، ويتقدم زودر عليه بنسبة التأييد الشعبي لخلافة المستشارة ميركل، حيث يؤيد 41% من الألمان ترشّح زودر، فيما أعرب 14% فقط عن تأييدهم لأرمين لاشيت، وأوضحت النتائج تفوق شعبية زودر داخل الحزب وبفارق كبير عن لاشيت بنسبة تأييد وصلت لـ 63% للترشّح للمستشارية مقابل 12% فقط للاشيت.

الآن وبعد أن ساد الانطباع بوجود فضائح فساد وجشع محتملة في صفوف التكتل الذي تتزعمه ميركل، تحوّل الأمر فجأة إلى سباق ضد الزمن، وهاهو يقاتل من أجل سمعته ومن أجل السلطة، ولكن إذا ساءت الأمور ستبدأ دوامة الهبوط التي بالكاد يمكن إيقافها حتى موعد الانتخابات الفيدرالية في الخريف القادم، فأنجيلا ميركل تمكنت من الاحتفاظ بمنصب المستشارية لمدة 16 عاماً لأن الألمان يعتبرونها سداً منيعاً ضد الفساد، وهذا معطى كاف يستحق التأمل.