تجارة العالم أمام سؤال الـ 10 مليارات دولار: انتظار قناة السويس أم تغيير المسار؟
تشير تقديرات عدد من بيوت المال والخبرة الدولية إلى أن حركة التجارة اليومية عبر قناة السويس تمثّل ما يصل إلى نحو 10 مليارات دولار يومياً، وتحديداً عند مستوى 9.6 مليار دولار، منها تجارة تقدّر بنحو 5.1 مليار دولار تتجه من الجنوب إلى الشمال، بينما 4.5 مليار دولار تسلك الاتجاه المعاكس، ورغم الثقة التي توليها المؤسسات والدول لإمكانية تعامل مصر مع الأزمة، والتعاون الدولي المتنامي لفك الاختناق، ومع استمرار أزمة انسداد الشريان الحيوي للتجارة العالمية، فإن تكدس الحاويات والناقلات العملاقة على مدخلي القناة يثير أسئلة كثيرة عند مشغليها، لعل أبرزها حساب كلفة مغامرة الانتظار لحل المشكلة، مقابل كلفة زيادة المشوار والزمن عبر سلوكها طريق التجارة القديم المار برأس الرجاء الصالح، وما يزيد الأمر حيرة في وجه جميع الأطراف أن الأزمة تأتي في وقت كانت فيه كل مكونات الاقتصاد العالمي- من دول إلى شركات- تتطلع إلى تخطي أزمة أخرى غير مسبوقة في التاريخ الحديث، وهي أزمة جائحة كورونا وتبعاتها.
وحسب بيانات “بلومبرغ”، ارتفع عدد الناقلات التي تنتظر حل المشكلة وعبور القناة إلى 321، وهي تحمل شحنات من النفط والبضائع الاستهلاكية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، ونقلت “بلومبرغ” عن راندي جيفنز، النائب الأول لأبحاث الأسهم والطاقة البحرية بشركة الخدمات المالية الأمريكية “جيفريز” قوله بأنه في حال ترك الحاويات على ظهر “ايفر غيفن” فإن جهود تعويم الناقلة قد تُستكمل بحلول يوم الخميس المقبل بمساعدة المد والجزر، أما في حال تفريغ الحمولة من الناقلة، أو إجراء إصلاحات واسعة النطاق في مجرى القناة، فإن فترة التوقف قد تمتد بكل تأكيد إلى أسبوعين على الأقل، وتؤثر الأزمة على مناحي التجارة العالمية كافة، وأدى الاختناق في قناة السويس إلى ارتفاعٍ بعض أسعار السلع الأولية، وسط مخاوف الإمدادات، ويتوقع الكثير من الخبراء والمراقبين اشتعال أسعار مكونات التصنيع والسلع في حال طال أمد الأزمة.
آثار الأزمة تعادل إغلاق كورونا، وفي أحدث تقدير، قالت شركة “اليانز” الألمانية العملاقة للتأمين: إن الخسائر الناجمة عن تعطل حركة الملاحة في قناة السويس بعد جنوح سفينة الحاويات “ايفر غيفن” تقدّر بما يتراوح بين 6 و10 مليارات دولار أسبوعياً للتجارة العالمية، وذكر خبراء الاقتصاد في “اليانز” في تحليل نُشر مؤخراً بأنه في عام 2019 تم نقل 1.25 مليون طن من البضائع عبر القناة، أي 13% من إجمالي حجم التجارة العالمية، وتتوقع أكبر شركة تأمين في ألمانيا أن “هذا الحادث سيؤدي على وجه الخصوص إلى تأخير تسليم المنتجات اليومية للمستهلكين في جميع أنحاء العالم”.
جنحت سفينة “ايفر غيفن”، وهي سفينة حاويات يبلغ طولها 400 متر، وتديرها شركة الشحن التايوانية “ايفر غرين”، وسدت مجرى القناة منذ يوم الثلاثاء الماضي، وحسب “اليانز”، فإن التكدس في قناة السويس يفاقم مشكلة تأخير ووقف توريد البضائع في التجارة العالمية، وقد يعني نقص الإمدادات في أشباه الموصلات، وغيرها من المنتجات منذ بداية العام، خسارة قدرها 230 مليار دولار، أو بنسبة 1.4% للتجارة العالمية، وأوضحت “اليانز” أن الآثار المترتبة على الحادث من هذا المنظور بالنسبة إلى أوروبا قد تكون مماثلة لآثار الإغلاق الأول المرتبط باحتواء جائحة كورونا في ربيع 2020، وربما أسوأ بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
قال محللون: إن سفينة الحاويات التي جنحت في قناة السويس، وأوقفت الملاحة ونقل البضائع عبر الممر المائي، ستفرض ضغوطاً على سلاسل الإمداد العالمية التي تعاني جراء انتعاش النشاط الاقتصادي وشحّ المعروض من حاويات الشحن، وقالت خدمة المستثمرين في “موديز”: إن نحو 30% من حركة نقل الحاويات عالمياً تمر عبر القناة سنوياً، وقد يؤثر توقف الممر التجاري على ما بين 10 و15% من إجمالي نشاط مناولة الحاويات عالمياً طوال فترة التعطل.
وقالت خدمة المستثمرين في “موديز”: نتيجة لذلك فإن قطاعي التصنيع والسيارات الأوروبيين، لاسيما مورّدي السيارات، سيكونان الأكثر تضرراً، وقال المحللون: هذا بسبب أنهما يديران سلاسل إمدادات حسب الحاجة، ما يعني أنهما لا يخزنان المكونات ويكون لديهما في المتناول ما يكفي فحسب لفترة قصيرة، ويستوردان المكونات من شركات التصنيع الآسيوية، وحتى إذا تم حل الموقف سريعاً، فإن اكتظاظ الموانىء، ووقوع المزيد من التأخيرات في سلاسل التوريد المقيّدة بالفعل لا مناص منهما، وأضافوا بأن وسائل النقل البديلة غير مناسبة، إذ إن قدرات الشحن الجوي تعاني شحاً بالفعل بسبب انخفاض حركة السفر الجوي العالمية، بينما النقل بالسكك الحديدية بين أوروبا وآسيا محدود، وبالفعل يقترب من طاقته الكاملة.
يسبب توقف القناة اضطراباً نجم عنه ارتفاع تكاليف الشحن لناقلات المنتجات البترولية إلى مثلين تقريباً هذا الأسبوع، وتحويل عدة سفن مسارها بعيداً عن المجرى المائي الحيوي، ويتوقع محللون تأثيراً أكبر على الناقلات الأصغر والمنتجات البترولية، مثل صادرات النفتا، وزيت الوقود من أوروبا إلى آسيا إذا ظلت القناة متوقفة لأسابيع، والوقود أكبر مصدر تكلفة منفرد للسفينة، ويشكّل ما يصل إلى 60% من تكاليف التشغيل، وعلى النقيض، يفاقم التوقف الوضع السيىء لسوق زيت الغاز، أو الديزل الآسيوية التي يعتريها الضعف بالفعل نظراً لأن آسيا تصدّر الوقود إلى أسواق في الغرب، مثل أوروبا، والذي يتدفق ما يزيد عن 60% منه عبر القناة المكتظة في 2020، حسب “اف جي اي”.