كسر الاحتكار
ما شهدته الأسواق في الأسابيع الماضية من ارتفاع جنوني للأسعار لم يسبق له مثيل خلال السنوات العشر الماضية أكد مجدداً أن رهان الحكومة على التجار والكثير من الصناعيين خاسر، خاسر!!.
الرهان خاسر مسبقاً لأن المواطن – بالنسبة للتاجر المستورد والصناعي المنتج – سواء كان دخله الشهري ألف ليرة أو مليون ليرة، ليس أكثر من مستهلك لسلعة مدرة للربح الفاحش، وهو مستعد لتكديس المواد في مخازنه بدلاً من بيعها بربح قليل.!
بماذا نفسر مثلاً انخفاض أسعار بعض السلع بنسب تجاوزت 20% خلال أيام، وهو انخفاض نظري لأن الأسعار لا تزال مرتفعة بنسبة أكثر من 100% مقارنة بأسعارها منذ شهرين، لا منذ سنتين؟!.
وعندما ينخفض سعر عبوة الزيت من 12 ألفاً إلى 8 آلاف خلال أقل من أسبوع فهذا لا يعني أنها انخفضت فعلاً، فهي لاتزال مرتفعة بنسبة 100% لأن سعرها قبل شهرين كان 4000 ليرة.!
وعندما يؤكد بعض التجار والصناعيين أن الأسعار انخفضت مع توالي انخفاض سعر الصرف خلال الأيام القليلة الماضية، فهو اعتراف بجريمة تُرتكب بحق المواطن والوطن، وهو اعتراف بأن التجار ومعهم معظم الصناعيين “يُسعّرون” منتجاتهم وفق سعر صرف السوق السوداء؟!.
حسناً، نسأل: من هم مافيات السوق السوداء؟
عندما يُخفّض التجار والصناعيون السلعة بما فيها المحلية الصرفة مع انخفاض سعر الصرف فهو اعتراف فظ بأنهم يقومون بتحويل مبيعاتهم اليومية إلى دولارات، ولا يضعونها في المصارف أو في خزائنهم السرية، ولو وضعوا حصيلة مبيعاتهم مع أرباحها الفاحشة سواء بالليرة أو بالدولار في المصارف بدلاً من تخزينها أو تهريبها لما شهدنا تذبذباً حاداً في سعر الصرف ولا بالأسعار.!
وبما أن التجار والصناعيين لن يفعلوها فإن على الحكومة التوقف عن المراهنة على القطاع الخاص بما يتعلق بالأسعار، وتأمين السلع بما يتناسب مع دخل المواطن، لأنه كان وسيبقى للأبد رهاناً خاسراً.!
لا نطالب بوقف دعم المنتج الوطني، بل نؤكد على المزيد من الدعم من جهة، وتلبية مطالب الصناعيين لتمكينهم من تصنيع بدائل المستوردات من جهة أخرى.
لكن الرهان الحكومي يجب أن يكون دائماً على التدخل الإيجابي من خلال كسر الاحتكار، بما يدفع التجار والصناعيين لتخفيض أسعارهم طوعاً دون قرارات زجرية، أو مناشدة ضميرهم، أو ما تبقى من إنسانيتهم.!
كسر الاحتكار لا يكون بالتشاركية، لأن القطاع الخاص لا يشارك أحداً، وإنما بتفعيل خطوط الإنتاج في القطاع العام، وتفعيل مؤسسات التدخل الإيجابي، وبدعم لامحدود للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، وبتفعيل هذا الثالوث: القطاع العام، وصالات البيع الحكومية، والمشاريع الصغيرة نكسر الاحتكار، ونرغم القطاع الخاص على المنافسة.
نعم، لقد وصل مستوى الاحتكار والتحكم بالأسواق والأسعار إلى حد تهديد بعض أقطاب القطاع الخاص بالتوقف عن الإنتاج أو البيع بربح قليل أو تزويد الأسواق بالمواد في عز الحصار والعقوبات على البلد، وهذه حالة لم نشهدها عندما كان القطاع العام القائد للاقتصاد الوطني ولو بشكل نسبي.!
إن الخطوة الأولى لمساعدة ملايين الأسر السورية، وكسر الاحتكار في آن معاً، تكون بدعم سلة غذائية عبر البطاقة الذكية بأسعار رمزية، والسورية للتجارة التي كسرت احتكار سعر البطاطا في الأسابيع الأخيرة، وقبلها أسعار السكر والرز، يمكنها بتوجيه حكومي بيع مواد أساسية أخرى كالحبوب والسمون والزيوت بأسعار مدعومة، بما يحقق ما تؤكده الحكومة دائماً: تأمين السلع الأساسية بما يناسب دخل ملايين الأسر السورية.
بالمختصر المفيد: التعاون بين وزارات الزراعة والاقتصاد والصناعة والتجارة الداخلية في مجالات تفعيل خطوط الإنتاج، ودعم المشاريع متناهية الصغر، وحده يكسر الاحتكار والأسعار، وليس الرهان الخاسر مسبقاً على التجار.!
علي عبود