التضخّم يعيد رسم خريطة حصص المنتجات الغذائية وتغيّرات في التوزيع السوقي للعلامات التجارية
دعمت الارتفاعات المتتالية في أسعار السلع، ومعاناة المستهلكين من ارتفاع معدلات التضخم، الذي وصل إلى 139.5% نهاية العام الماضي 2020، مقارنة مع العام السابق 2019، عمليات التغيير في خريطة استحواذ علامات تجارية على حصصها في الأسواق المحلية.
هذا الأمر أكده تجار وموردون في أسواق العاصمة دمشق، وكشفوا عن تغيّرات حقيقية في توزيع نسب الحصص السوقية لعلامات تجارية، كانت على مدى أعوام طويلة تسيطر على حصص حاكمة ضمن معدلات الاستهلاك المحلي، وذلك لمصلحة علامات تجارية أخرى، بقيت خارج الأضواء لفترات طويلة بسبب الهيمنة الشديدة للعلامات التجارية المعروفة.
العادات الشرائية
ومع معاناة سورية حصاراً جائراً من الولايات المتحدة وحلفائها، يستهدف قوت المواطنين، ومعيشتهم، لتحقيق أهداف استعمارية من خلال تشديد الضغط الاقتصادي، ومنع وصول المواد الأساسية من محروقات وأغذية وأدوية وأدوات تعليمية، متسبباً بجريمة إنسانية كبيرة، يدرك الجميع أن تغييراً حصل في العادات الشرائية بدأ منذ عام 2014 تقريباً، بفعل التغيير في نوعية المواد، وفق مصادر الاستيراد، فيما عدا اختلاف العادات الشرائية، وظهور علامات تجارية جديدة، لافتين إلى أن خيارات المستهلكين تتضاءل تدريجياً بفعل انخفاض القوة الشرائية.
وكان المكتب المركزي للإحصاء في سورية، قد أعلن في وقت سابق عن أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك تجاوز 2107.8%، خلال الأزمة التي تعيشها البلاد منذ نحو عشر سنوات. وأشار المكتب إلى أن التضخم السنوي بلغ 139.5% في عام 2020، مقارنة مع الربع الأخير من عام 2019، بعد أن وصلت قيمة التضخم إلى 860% في منتصف عام 2019، على أساس تراكمي منذ عام 2010.
وأوضح المكتب أن المؤشرات بيّنت أن ارتفاع الأسعار كان قد بدأ في الربع الأخير من عام 2019، واستمر خلال العام الماضي 2020، وزاد عليه خلال الربع الأول جائحة كورونا، وما سببه الحجر الصحي عالمياً ومحلياً من ارتفاع في أسعار المواد..
يسألون عن الأرخص
ويشير وائل مدير مبيعات للجملة في إحدى الشركات الكبرى للمواد الغذائية، إلى تغيير نوعيات الطلب والحصص السوقية المبيعة، وخاصة الشاي والقهوة والأغذية المصنعة وذلك بنسبة 35%، بينما انتهج 35% من المستهلكين تقليل الطلب من خلال خفض الكميات المطلوبة إلى أقل من نصف الكمية التي كان يتم طلبها عادة.
بينما أكد سعيد، صاحب أحد مراكز توزيع المواد الغذائية في سوق الهال (الزبلطاني)، أن 60% من المستهلكين يسألون عن أنواع أرخص، وبدائل غذائية تعوض ما خسروه من عادات غذائية شرائية، بعد هبوط القيمة الحقيقية لمعدلات الدخل.
وقال صاحب أحد محلات القهوة في منطقة باب توما: إن الفترة الماضية شهدت مبيعاً كبيراً لأكياس القهوة، بوزن أوقية واحدة، لافتاً إلى أنه بدأ بتعبئة أكياس الأوزان الصغيرة منذ نحو 45 يوماً، أما في السنوات السابقة فكان يستعد للطلب الكبير للزبائن بتعبئة أكياس نصف كيلو غرام.
وكذلك الأمر بالنسبة للعديد من المنتجات، فقد انتشرت صور تعبئة زيت الزيتون في علب تزن (أوقية واحدة) على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الغريب عن العادات السورية التي تميل إلى تموين مثل هذه المواد.
تماشياً مع الطلب
وتشير المصادر إلى أن اختلال الحصص السوقية الاعتيادية أصبح أمراً واقعاً على مختلف قطاعات السوق، لتحول جزء كبير من قطاعات الألبسة والالكترونيات وغيرها إلى الكساد، بفعل ارتفاع سعرها، ومصادرها غير الموثوقة من المستهلكين، لأن أغلبيتها يأتي من مصادر آسيوية رخيصة تماشياً مع الطلب المحلي، لافتين إلى أن للمواد الغذائية حساسية خاصة، لأنها تشكل عاملاً صحياً وبدنياً مهماً، كما يرتبط استهلاك نوع معين أو علامة تجارية معينة بعامل نفسي يرتبط بالأمان والطمأنينة.
غير أن عمر أحد خبراء التسويق في شركة مواد غذائية معروفة، اعتبر أن المواد الغذائية تعتبر أكثر المنتجات تعرضاً لفقدان الولاء من المستهلكين، وذلك لسهولة إقناعهم بتجريب علامات تجارية أخرى، وذلك لتشابه هذه المنتجات بوجه عام، مبيناً أن ما يحصل اليوم، بعيد كلياً عن عمليات تغيير الولاء، أو استبدال علامة تجارية بأخرى لأسباب موضوعية، لأن ما يحكم انتقائية المستهلكين، هو سعر المنتج بالدرجة الأولى، وقدرة المستهلك على الحصول على الكمية اللازمة من المادة، بسعر يناسب قدرته الشرائية.
فرضت نفسها
وهو الأمر الذي أكده أبو جورج، صاحب أحد محلات التوزيع الكبرى، الذي أفاد بأن تغيير الحصص السوقية أمر متوقع دائماً، وهو يرتبط بالمنافسة الشديدة وزيادة قوة العلامات التجارية غير المعروفة، وتكثيف اهتمامها بالوجود في الأسواق السورية، لتستفيد قليلاً من الواقع الحالي، وتغيير وجهات الاستيراد، في محاولة لفرض نفسها بجودة عالية، مبيناً أن هذه العلامات ليست رخيصة، غير أنها لم تكن معروفة أو موجودة سابقاً.
وأوضح أبو جورج، أن التنوع أمر صحي في السوق، لشمول تنوع الأذواق، ما سيتيح تنوع الاختيار والطلب، ومنافسة إيجابية تصب في مصلحة المستهلك، من خلال قبول علامات تجارية بهامش ربح أقل للحصول على حصة سوقية أكبر، بالجودة نفسها.
أما رائد، أحد خبراء التسويق الإعلاني، فيؤكد أن انتشار العلامة التجارية يخضع لكثير من الارتباطات، يشكل الإعلان جزءاً مهماً فيها، من خلال طبع صورة معينة عن المنتج في ذهن المستهلك، وإحلال توازن مختلف يحقق شعوراً متبايناً لدى المستهلكين المستهدفين.
فرصة التذوق
من جانبه، قال أنس، صاحب إحدى العلامات التجارية المتخصصة في المنتجات الغذائية: إن منتجه كان بحاجة إلى إتاحة فرصة التذوق من المستهلكين، لتحقيق ارتباط قوي، وتحويل العديد من مستهلكي العلامات التجارية الأخرى إلى عملاء له، الأمر الذي حصل في وقت فراغ بعض العلامات التجارية من السوق، وبالتالي تجريب منتجاته من المستهلكين.
وأكد أنس أن المنتجات تصنع وفقاً للمعايير المطلوبة، كما أنه تمكن من زيادة أنواع المنتجات لتشمل مختلف الأجبان، والمواد الغذائية المعلبة، وذلك بسبب نجاح منتج تلو الآخر.
وأضاف: إنه على الرغم من الواقع الاقتصادي الحالي، غير أن نجاح علامة تجارية على أخرى، وبتوازن سعري مقبول بينهما، يرتبط بنجاح خطط تسويقية طويلة، جرى العمل عليها من خلال خبراء ومتخصصين درسوا بدقة احتياجات المستهلك والمنافسين الواقعيين والمحتملين وتميز المنتج، لافتاً إلى أن تحول نسب الحصص السوقية لم يكن بفعل عوامل المصادفة وحدها، أو لبحث المستهلكين عن مصادر بديلة، وإن كان هذا العامل قد سرّع من ظهور نتائج الخطط التسويقية المشار إليها.
رامي سلوم