قومية اللقاح ستنتهي بمأساة مشتركة
ترجمة: هناء شروف
قامت الحكومة البريطانية منذ بداية برنامج التطعيم بالتعتيم على المعلومات حول مستويات الإمداد، فكلما سأل الصحفيون عن مقدار اللقاح المتاح قوبلوا برفض الإجابة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الوزراء لم يكن لديهم سوى فكرة تقريبية للإجابة عن هذا السؤال المهمّ. فقد اضطر وزير الصحة للاعتراف، عندما أعلن فجأة عن تأجيل التطعيمات لمن هم دون الخمسينيات، بأن أهداف الحكومة الطموحة للتحصين معرّضة للاضطراب، لأن مواطن الخلل في الإنتاج يمكن أن تجعل الإمدادات “متكتلة”!.
السبب الآخر لهذا القدر من السرية هو القلق من أن المنافسين الذين يفتقرون إلى الإمدادات قد يحاولون سرقة اللقاحات التي تطلبها بريطانيا. كان جنون العظمة حيال ذلك حاداً بشكل خاص فيما يتعلق بجيران بريطانيا القريبين. وعلى عكس الادّعاءات التي أدلى بها بعض مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن الطلاق لم يجعل العلاقة عبر القنوات أكثر سعادة وأسهل، ولكن تسمّمها الشكوك المتبادلة. لقد تمّ الردّ بالمثل على الخوف البريطاني من نوايا الاتحاد الأوروبي من خلال الاعتقاد داخل الكتلة بأن برنامج التطعيم في المملكة المتحدة لا يمكن إلا أن يتمّ تنفيذه بنجاح أكبر بكثير من برنامجهم. وسواء أكان هذا اعتقاداً مبرراً أم لا فهو اعتقاد مفهوم نظراً لتجربة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع بوريس جونسون.
تعمل دول الاتحاد الأوروبي بشكل سيئ مقارنة بالمملكة المتحدة المستقلة، وبحلول نهاية الأسبوع الماضي تمّ تطعيم نصف البالغين في المملكة المتحدة، أما في الاتحاد الأوروبي فكانت النسبة أقل من الخمس. إذن كيف يمكن لحكومة بوريس جونسون، الممثلة للشعبوية الفوضوية الكاذبة كما يُنظر إليها من باريس أو برلين، أن تكون أفضل بكثير من دول الاتحاد الأوروبي؟.
تراجعت معدلات الإصابة في المملكة المتحدة، في الوقت الذي يشهد الكثير من دول الاتحاد الأوروبي ارتفاعاً في عدد الإصابات. في ألمانيا، يحذّر مسؤولو الصحة العامة من أن الحالات ترتفع “بمعدل محزن”. وفي فرنسا اضطر إيمانويل ماكرون لفرض قيود جديدة بسبب ارتفاع مستويات الإصابة. وسيكون معظم الشعب الإيطالي في “المناطق الحمراء” وسيتمّ إغلاق البلاد بأكملها خلال عطلة عيد الفصح. إن الفشل في التطعيم بالسرعة الكافية لإيقاف الموجة الثالثة ستعاقب عليه صناديق الاقتراع، وهو الأمر الذي يتحمّل تبعاته القادة الأوروبيون الذين جعلوا الأمور أكثر صعوبة لأنفسهم من خلال التشكيك بسلامة وفعالية اللقاح، وهم الذين يقولون في الوقت نفسه إنهم لا يستطيعون الحصول على ما يكفي منه.
يشير تاريخ هذا الوباء إلى أن انتشار العدوى يشكّل الكثير من المخاطر، ويمكن للطفرات الجديدة أن تطلق المزيد من الموت والدمار الاقتصادي. أما بالنسبة للعديد من البريطانيين الذين يحلمون بقضاء عطلة في دولة أوروبية ذات مناخ مشمس فيمكنهم أن يحلموا فقط إذا كانت العدوى لا تزال مستعرة في وجهاتهم المرجوة.
تشيرُ المحادثات مع أشخاص داخل الحكومة البريطانية إلى أن العديد من الوزراء يقدّرون أن الشماتة تؤدي إلى هزيمة الذات. في الوقت نفسه، تجد حكومة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صعوبة في مقاومة إغراء استغلال محنة الاتحاد الأوروبي لصالح حزبي. لذلك إن توزيع اللقاح هو الجانب الوحيد للتعامل مع الأزمة التي يمكن لهذه الحكومة أن تدّعي أن لديها سجلاً مثيراً للإعجاب.
إن أي حكومة ذات منظور مستنير بشأن المصالح طويلة الأجل لبريطانيا سترى قيمة في تقديم تعبيرات عن التعاطف وإيماءات التضامن مع الاتحاد الأوروبي في وقت محنته الشديدة، وهذا يمكن أن يولد الكثير من حسن النية بين الناخبين والقادة الأوروبيين، وقد يكون أكثر فاعلية في كسب أصدقاء لبريطانيا.
إن تصعيد “حرب لقاحات” بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة كارثة لكليهما على عدة مستويات، خاصةً وأن إنتاج اللقاحات يعتمد على سلاسل التوريد المعقدة متعدّدة الجنسيات. “جرعة فايزر” على سبيل المثال، حيث يتمّ شحن مكونات هذا اللقاح من المملكة المتحدة إلى مصنع الشركة في بلجيكا قبل تصدير بعض المنتجات النهائية.
لقد أصبحت قومية اللقاح أحد أبعاد هذه الأزمة بالفعل، ومن شأن ذلك أن يكون مثالاً رهيباً للعالم إذا قامت البلدان التي تعلن عن نفسها على أنها ديمقراطيات ناضجة ومتطورة وعالمية بإطلاق حرب اللقاحات في أوروبا. سيتعيّن على بريطانيا وجيرانها القريبين العيش والعمل مع بعضهم البعض لفترة طويلة بعد أن أصبح Covid-19 تاريخاً، وبالتالي لا يزال أمن وازدهار المملكة المتحدة يعتمدان إلى حدّ كبير على ما يحدث داخل الاتحاد الأوروبي، وعليه لا يمكن أن يكون من مصلحة الاتحاد الأوروبي أن تكون له علاقات متوترة بشكل دائم مع دولة كبيرة على حدوده.