مجلة البعث الأسبوعية

كتاب الطفل ومتعة المعرفة

“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس

تشكل كتب الأطفال رافداً ثقافياً ومعرفياً يستطيع الطفل من خلاله التعرف على أساليب الحياة المختلفة، وزيادة معرفته بنفسه وبالآخرين، وتعلم كيفية التعامل معهم، ولكن إلى أي مدى نجح إنتاجنا الأدبي للطفل في تقديم أدب يخاطب عقل الطفل واهتماماته وحاجاته؟ وهل من أزمات يعيشها كتاب الطفل ضمن أزمة الكتاب بشكل عام؟ والسؤال الأهم: كيف يمكننا النهوض بكتاب الطفل ليكون بالمستوى المطلوب؟

أسئلة كثيرة تفرض نفسها في مناقشتنا لواقع الكتاب الطفلي الذي يواجه، اليوم، تحديات كبيرة تفرضها بالدرجة الأولى وسائل الاتصال المتعددة التي تجذب الأطفال إليها، وتشدهم إلى متابعتها من خلال الأساليب الجذابة التي تقدم برامجها وموضوعاتها بها.

ولا يخفى على أحد أن كتاب الطفل تحكمه معايير محددة حين إنجازه، لأن أنواعه المتعددة توجب تحديد محتوى مواده وموضوعاته بما يناسب فئات أعمار الأطفال في مرحلة الطفولة، كذلك واقع كل مجتمع وخصوصيته وبيئته المحيطة، وأن يتدرج الكتاب مع قدرة الطفل على الاستيعاب؛ لكن أغلب ما نراه من نتاج يفتقد للتخصصية ويأخذ طابعاً تجارياً، بل أحياناً يعتمد على الكتب الصادرة في الخارج وترجمتها، وهذا ليس كافياً. وبالمقابل، هناك كتّاب يقدمون أدباً خاصاً بالطفل لكنه لا يشتمل على المقومات الفعلية لحاجاته، فلا يلقى الصدى المطلوب، إضافة لعدم التشجيع لتخصص الأدباء بعالم الطفل بسبب عدم تلبية الكتابة لحاجاتهم المادية، مستندين إلى مقولة أن الكتابة لا تطعم خبزاً، جاهلين ومتجاهلين أن الكتابة بشكل عام، وللطفل بشكل خاص، هي رسالة على كل من يعمل في أدب الطفل أن يلتزم بها. وهنا يقع اللوم على المناهج المدرسية والمؤسسات الراعية للأدب والثقافة، فالمناهج المدرسية مقصّرة في حق الطفل وتعتمد معلومات تلقينية، يساهم في سلبيتها افتقاد المدرسين لأسلوب إيصال المعلومة للطفل وتبسيطها بما يجعلها مفهومة بالنسبة له، فإنه من المناسب مثلاً أن تتضمن المناهج المدرسية قصصاً تُقرأ للأطفال وتعلمهم على النقد والتحليل بأسلوب معبّر ومشوّق، وبكلمات بسيطة وجميلة. ونلفت هنا إلى ضرورة وجود المكتبة الخاصة للأطفال، سواء في المدرسة أم في البيت، وهناك أيضاً أهمية يجب أن نوليها لأطفالنا في رياض الأطفال لما لها من تأثير في بناء شخصيتهم وقدرتهم على الاستيعاب من خلال ما يقدم لهم، سواء عن طريق الرسوم المتحركة أو الحفظ والتكرار، وضرورة وجود مكتبة في كل روضة، ووجود من هو مؤهل للعمل فيها.

ولكي نشد الطفل، يجب أن يكون هناك مهرجانات ومعارض خاصة بكتب الأطفال، خاصة وأننا في أي معرض يقام نرى إقبالاً من الأهل وأطفالهم على اقتناء الكتب، وهنا تبدأ الخطوة الأولى في مشوار الثقافة الطفلية، وتعلّم الطفل على القراءة والمطالعة، فمضمون كتاب الطفل يرتبط بصورة رئيسية بالأهداف التي نريد أن نوصلها له، والشكل الذي نقدم به هذه الأهداف، فتحقيق ذلك يقع على عاتق فريق عمل متكامل تتضافر فيه جهود الكاتب والمخرج والناشر؛ لذلك من الضروري إيجاد كتاب ورقي يغري الطفل ويشده لقراءته في ظل التقنيات الحديثة، وتبقى المشكلة المزمنة التي يعاني منها الكتاب الطفلي تكمن في معاناة النص في العديد من الكتب العربية من غياب روح الطفولة عنه، لهذا غالباً ما تأتي الكتابة تقليدية مدرسية جافة، وهي كتابة الكبار إلى الصغار، وليست كتابة مستوحاة من عالم الطفولة.

أما سر نجاح الكتب المستوردة من الخارج، والتي تصدرها مؤسسات متخصصة، فيكمن – من وجهة نظر المعنيين بالكتابة للطفل – في أن كل دار نشر متخصصة بكتاب الطفل لديها محرر خاص على دراية تامة بأدب الطفل وخصائصه، يقوم بإجراء التعديلات واقتراح ما هو مناسب؛ ولا يخفي الكتّاب تخوفهم عند التفكير بواقع كتاب الطفل العربي نظراً للظروف التي يعيشها، فهو مهدد بأخطار المجاعة والحروب وبهويته وثقافته؛ ومن هنا، يؤكدون على ضرورة حماية ثقافة الطفل ودعمها من خلال الكتاب كي يتماشى مع متطلبات العصر الحديث، وإخضاع الكتب لعمليات مستمرة من النقد والتحليل كي لا تبقى الكتابة للطفل تعاني من التشتت وعدم التنسيق ولحماية هذا الأدب من التشويه والتغريب.