كورونا و”الحكومة الفيدرالية العالمية”
هيفاء علي
يرى بعض المحلّلين الغربيين أن الهدف الحقيقي لإعلان منظمة الصحة العالمية بأنه ليس لدى الدول الكفاءة لإدارة الأزمة الصحية الراهنة الناجمة عن تفشي وباء كورونا هو إقامة “الحكومة الفيدرالية العالمية” باعتبارها الحلّ الوحيد للتحديات والمشكلات التي يثيرها “الوباء” العالمي.
هذا هو رأي البروفيسور أرفيند أشتا الباحث في الشؤون الاجتماعية، فهو يعتبر أن جائحة كورونا هي أزمة عالمية تمّت إدارتها إلى حدّ كبير من قبل الدول التي تعمل بشكل مستقل. وبالتالي على ضوء الوباء، يجب التفكير بجدية في الفوائد المحتملة للانتقال إلى حكومة فيدرالية عالمية. ويعتبر أن الحكومة الفيدرالية تتمتّع بالعديد من المزايا، كما أوضحت الأوراق الفيدرالية منذ أكثر من قرنين من الزمان، بما في ذلك السلام وحرية تنقل الأشخاص ورأس المال ضمن حدود محدّدة. إن عدم قدرة الدول على التعامل مع “الوباء” يجب أن يشجّع على استكشاف مناهج جديدة للحكم، بناءً على معرفة ما نجح في الماضي. ومع أخذ ذلك في الاعتبار هناك سبعة أسباب على الأقل تشجّع على التفكير الآن في الانتقال إلى حكومة فيدرالية عالمية، يضيف أشتا.
وإذا كانت هناك حكومة فيدرالية عالمية وسلطة نقدية فيدرالية، فسيكون من الممكن الحصول على عملة واحدة، وبالتالي القضاء على مخاطر العملة. وهذا من شأنه أن يجعل حركة رأس المال أكثر حرية. يمكن أن تكون هذه العملة الموحدة عملة مشفرة. ومع ذلك، فقد أظهرت الأزمة اليونانية أنه عندما يكون تخفيض قيمة العملة غير ممكن، كما في حالة اليورو، فإنه من الصعب على الدول الأضعف أن تحقّق نقطة التعادل. ولحلّ هذا التوتر، هناك حاجة إلى آلية معادلة لضمان توزيع موحّد للمكاسب من التجارة.
المشكلة الثالثة برأي أشتا هي البيئة، وهي مشكلة ستؤثر أيضاً على الأجيال القادمة. وتنطبق المشكلة نفسها أيضاً على أي ضريبة أخرى على رأس المال، مثل ضرائب توبين التي يتمّ الحديث عنها كثيراً على المعاملات المالية. إذا تمّ نقل الولاية القضائية على ضرائب الشركات إلى حكومة عالمية، فسيؤدي ذلك إلى تقليل قدرة مالكي رأس المال على التفاوض على أعلى مستوى. وبغضّ النظر عن مكان وجود المكتب الرئيسي، ستكون ضريبة الشركات هي نفسها ولن توفر محاسبة التحويل الإبداعي ميزة ضريبية. يمكن أيضاً فرض الضرائب المصمّمة للحدّ من المضاربة والمعاملات المالية غير الضرورية على مستوى العالم، مع نتائج مفيدة مماثلة. ولكن التوتر الأساسي هو أن الشركات يمكن أن تمنع الانتقال إلى الحكومة العالمية على وجه التحديد لأنها تتوقع هذا التطور.
في الآونة الأخيرة، وبفضل الحاجة إلى تمويل لتعافي الاقتصاد بعد “الوباء”، أدرك الاتحاد الأوروبي ذلك، وبدأ بجمع الأموال قبل توزيعها على الدول الأعضاء، حيث سيكون لحكومة عالمية ميزة أكبر في عملية التفاوض وإعادة التوزيع هذه.
أخيراً، في عالم دولي، مع وصول عالمي إلى الوسائط الرقمية، يودّ الكثير من الناس في البلدان النامية الهجرة إلى البلدان المتقدمة، وهم ممنوعون حالياً من القيام بذلك، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح، فضلاً عن مدفوعات ضخمة للمتاجرين بالبشر. في العالم الفيدرالي، ستكون هناك حرية تنقل العمال وسيتمّ حلّ هذه المشكلة. ويضيف أشتا: “غالباً ما تستند الابتكارات الرئيسية في الحوكمة إلى تغيير في المتطلبات الناجمة عن حدث معيّن، جزء من سبب عدم انتقال العالم بالفعل إلى الفيدرالية العالمية اليوم هو أنه لا يوجد حتى الآن دافع لدفع الدول في هذا الاتجاه”.
في الماضي، كانت الأزمات مثل الحربين العالميتين في القرن العشرين بمثابة محفزات للتغيير. اليوم يواجه العالم حرباً ضد فيروس خطير، وربما يمكن للوضع الذي أوجده الوباء أن يسلّط الضوء على الفوائد الخاصة للانتقال إلى حكومة فيدرالية عالمية، ويمكن أن يؤدي هذا إلى إحداث تغيير لا يساعد فقط في تخفيف الضرر الناجم عن “الجائحة”، ولكنه يوفر أيضاً حلاً للعديد من التحديات الأخرى التي تواجه البشرية اليوم.