أقـل مـا يـقـال.. ما لنا إلا الاستثمار سبيلاً
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
قد يتراءى للبعض أن الحديث عن الاستثمار وتصويب مساراته في هذه المرحلة يعتبر ضرباً من الخيال، في حين من المتوجب أن يكون حديث الساعة، فهو النواة الحقيقية للنهوض الاقتصادي..
وهذه التوطئة تقودنا إلى التطرق لما يطرحه البعض – ولاسيما حديثي النعمة ممن استساغوا تضخيم ثرواتهم بأيسر الطرق وأقلها مخاطرة – ومفاده إن تكلفة استيراد عديد السلع أقل من تكلفة إنتاجها محلياً، فلماذا يتم تقييد استيرادها..؟
لعل أفضل ردّ على هؤلاء يكمن بالتذكير بتجربة على غاية من الأهمية خلاصتها باختصار: كانت تكلفة استيراد القمح خلال العقود الماضية أقل بكثير من تكلفة توطين إنتاجه محلياً، إلا أن الدولة السورية أصرت وقتها على “الإنتاج المحلي” من منطلق الاكتفاء الذاتي وتفويت الفرصة على احتمالية أن يكون القمح، كمادة غذائية أساسية، ورقة ضغط لجهة التوريد في مرحلة لاحقة.. وبالفعل، تم توطين هذا المنتج محلياً بامتياز، ليتكشف لاحقاً أن تكلفة توطينه في حقيقة الأمر أقل من تكلفة استيراده على المدى المنظور..!
بالعودة إلى الاستثمار.. إن توطين إنتاج أية مادة محلياً هو مكسب وورقة رابحة للاقتصاد الوطني، ويجب أن يتصدر هذا الأمر سلم الأولويات في عمل الفريق الاقتصادي، وبالتالي لابد من اعتماد خارطة طريق لتحديد المسارات الاستثمارية الكفيلة بإعطاء جرعات عالية من الزخم للمشاريع الإنتاجية القائمة حالياً، واعتماد أخرى غير موجودة من خلال وتشميلها في برنامج إحلال بدائل المستوردات الذي يعتبر أهم برنامج يتم الاشتغال على تنفيذه في هذه المرحلة.
ثمة العديد من العوامل المساعدة لتحقيق ما نطرحه، أبرزها قانون إحداث مصارف التمويل الأصغر المعوّل عليه بأن يحدث نقلة نوعية للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، بالتزامن مع قرب صدور قانون الاستثمار، ولعل الأهم هو تخفيض حجم المستوردات ومحاولة قصرها على الأساسيات والمواد الأولية الداخلة في الصناعة، ما يضع قطاع الأعمال، ولاسيما المنتجين منه، على محك الاضطلاع بدوره التنموي الحقيقي، سواء لجهة تطوير منتجاته الراهنة، أم لجهة الاشتغال على إنتاج البديل المستورد.
لا ننكر صعوبة المرحلة وما ينتابها من تحديات وعقبات موضوعية تتعلق بالدرجة الأولى بالحصار والعقوبات، لكن هذا لا يمنع من الاعتماد على الذات وجعل الاستثمار هو بوصلة النهوض الاقتصادي، واعتماد الزراعة سبيلاً لذلك على الأقل مبدئياً، وإذا ما تم إعادة النظر ببعض التشريعات والقوانين المعرقلة للاستثمار وإعطائها مزيداً من المرونة، فنعتقد أن الحكومة بذلك سترفع منسوب الجذب الاستثماري بالنسبة للأموال الخارجية سواء المغتربين السوريين، أم المستثمرين الأجانب، خاصة إذا ما علمنا أن الكثيرين يرغبون الولوج إلى الاستثمار في سورية نظراً لغناها بمقومات قلما تجتمع في بلد ما، من يد عاملة، وتنوع قطاعات اقتصادها من تجارة وصناعة وسياحة وزراعة، وتمتعها بموقع جغرافي إستراتيجي.. إلخ.
أخيراً.. قد نعتبر أن ما يمر به الاقتصاد الوطني من مرحلة صعبة قد يكون بداية الخروج من عنق الزجاجة إلى فضاء استثماري رحب بكل المقاييس، مع التأكيد آخراً على أن الأزمات التي عصف بالاقتصاد السوري طيلة عقد من الزمن، قد أنهكته إلا أنها لم تسحقه..!