المسرح في سورية كسر الحصار.. ونال جوائز في أهم المهرجانات
أجمع المشاركون في ندوة “المسرح في سورية.. وقائع وطموحات” التي أقامتها مديرية المسارح والموسيقا في مسرح القباني مؤخراً ضمن إطار الاحتفال بيوم المسرح العالمي على عراقة المسرح السوري وأهميته على الساحة العربية وقدرته -رغم الحرب- على كسر الحصار والتواجد في أهم المهرجانات ونيله العديد من الجوائز فيها.
لا عتب على الجمهور
أدار الندوة الناقد نضال قوشحة، وقد بدأت مديرة المسرح القومي المخرجة سهير برهوم الكلام بالتأكيد على أن المسرح نشاط اجتماعي بالدرجة الأولى، والمطلوب دائماً شدّ الجمهور إلى الحالة المسرحية، مشيرة إلى أن هموم الناس وأزماتهم وحاجاتهم أصبحت كثيرة، وأن مهمّة المسرح في هذه الظروف تسليط الضوء على هذه الحاجات والهموم، مع تأكيدها أن المسافة بين الناس والمسرح تكبر يوماً بعد يوم، وقد أصبحت الثقافة والمسرح آخر همومهم في ظل وجود أولويات وضروريات يجهد الناس لتأمينها وتمنعهم من حضور المسرح ومتابعة العروض، لكن ومع ذلك كانت ولا تزال المؤسّسة المسرحية الرسمية -برأي برهوم- رغم كل الأزمات وشبح الوباء مستمرة في تقديم الأعمال المسرحية دون أن تعتب على الجمهور الذي تتمنى منه أن يبقى مع المسرحيين الذين يعملون في النهاية من أجله.
ذاكرة بحاجة لإنعاش
عن تجربة المخرج د. تامر العربيد في نقل المسرح إلى التلفزيون من خلال البرامج التي أعدّها في التلفزيون بهدف إيصال المسرح إلى أكبر عدد من المتابعين، ورأى أن توظيف الإعلام لخدمة المسرح جانب مهمّ ويساعد في استقطاب الجمهور من خلال عروض تحترم ذائقته وتحاكي همومه، مؤكداً أن المسرح السوري لم يكن في يوم من الأيام مسرحاً تزيينياً بل كان ومازال صاحب مشروع إنساني واجتماعي وسياسي، موضحاً أن فكرة الذهاب إلى التلفزيون للحديث عن المسرح بالنسبة له لم تكن بهدف تقديم برنامج تلفزيوني، وإنما تسليط الضوء على التجارب المسرحية بالوسيلة الأكثر وصولاً للناس، مشيراً إلى أن الإعلان الأكبر لأيّ عرض مسرحي هو الجمهور الذي يأتي، ولكن في ظل وجود وسائل الاتصال التي استطاعت أن تفرض نفسها بات من الضروري استثمارها في الجانب الترويجي والإعلاني والتسويقي للمسرح، وهي عناصر غاية في الأهمية اليوم لأن الناس يغريها الإعلان والدعاية كثيراً مهما كان اتفاق المسرحيين على أن المُنتج الإبداعي يفرض ذاته. وطالب العربيد الجميع بالعمل وبذل الجهود لتنفيذ المشروع المسرحي، لأن المسرح السوري مسرح عريق وله سمعة كبيرة في الوطن العربي.
الموضوع ليس جديداً
وتعقيباً على كلام د. العربيد أشار رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية الكاتب جوان جان إلى أنه في الستينيات كان هناك ما يُسمّى مسرح التلفزيون، حيث كان التلفزيون ينتج أعمالاً مسرحيّة يقوم بتصويرها بأسلوب مسرحي ضمن استديوهات، متمنياً أن تُعاد هذه التجربة، لأن هناك جمهوراً لا يستطيع ارتياد المسارح وجمهوراً لم يصل إليه المسرح بعد.
وعن جدلية النص المحلي والعالمي بيّن جان أن هذا الموضوع ليس جديداً، فبالعودة إلى تجربة رائد المسرح السوري أبو خليل القباني نراه قد استفاد من النصوص المُترجَمة في عدة تجارب قدّمها، حيث قام بتحويلها إلى البيئة الشامية تحديداً لتتناسب مع جمهور عصره، وهو بذلك أدركَ أن الناس في ذلك الوقت ما كان لهم أن يتقبلوا هذا الفن الجديد إلا إذا شعروا أنه قريب منهم ومن حياتهم، وقد استمرّ هذا الأمر -برأي جان- بعد مرحلة القباني إلى العام 1960 من خلال الفرق الخاصة التي كانت تعيد صياغة النصوص الأجنبية بما يتناسب مع البيئة والجمهور، مشيراً إلى أنه وبعد تأسيس المسرح القومي تعزّزت هذه الظاهرة، إلا أن مطبات عديدة وقعت فيها هذه التجارب، حيث إن موضوع الاقتباس أصبح ينحصر فقط في تبديل الأسماء مع الاحتفاظ بالبيئة الأصلية، في حين أن تحويل نص من بيئة أجنبية إلى بيئة محلية يجب أن يقوم على إعادة الكتابة وبناء الشخصيات من جديد. وأشار جان إلى أننا نمتلك عشرات المسارح ولكنها مسارح معطلة ومغلقة، مذكراً كذلك بمسرح مدرسة اللاييك الذي له صفة تاريخية، وقد مثل على خشبته كبار الفنانين والعديد من الفرق الأجنبية، ومسارح أخرى من الضروري تفعيلها.
الجهة الوحيدة
وتحدث الناقد سامر محمد إسماعيل عن الدور الكبير الذي تلعبه مديرية المسارح والموسيقا في إنتاج المسرح، وأنها ما زالت الجهة الوحيدة المنتجة له نتيجة غياب القطاع الخاص وأطراف أخرى عن هذا المجال، كوزارة التربية التي لديها ميزانية كبيرة مخصّصة للمسرح إلا أنها مازالت محجمة عن إنتاج العروض، وكذلك المسرح العمالي والشبيبي والجامعي وهي مسارح توقفت عن إنتاج العروض منذ سنوات دون معرفة الأسباب، مبيناً أن في دمشق مسارح عديدة ولكن معظمها مغلق، وبعضها غير صالح للعرض تقنياً كمسارح المراكز الثقافية التي بُنيت دون معرفة وكلفت المليارات. ولفت إسماعيل الانتباه إلى أن من بقي يعمل في المسرح هم عشاقه والمؤمنون بمهمته، وأن المسرح السوري دفع دماً ومسرحيين استشهدوا على أبواب المسارح، لذلك دعا إلى دعم الفرق المسرحية المستقلة من قبل الدولة حرصاً على حمايتها من التمويلات الخارجية التي تشتغل ضمن أجندات سياسية وتحدث اختراقات للثقافة السورية عبر المواضيع التي تتناولها حرصاً على تاريخ المسرح السوري وإرثه الكبير.
منتَج ثقافي
وأشار مدير المسارح والموسيقا عماد جلول إلى أهمية التسويق الجيد للمسرح باعتباره منتَجاً ثقافياً وفكرياً، منوهاً لأهمية التسويق الثقافي، وأحد أهم فروعه هو التسويق الداخلي، مؤكداً ورداً على من يتحدث عن أزمة المسرح أن من تابع عروض المسرح القومي مؤخراً يدرك أن لا أزمة في المسرح، فالعروض زاد عددها في ذروة الحرب، كما زاد الجمهور الذي كان يقصد المسارح التي تقدّم على خشباتها عروض المسرح وقد شاركت هذه العروض في مهرجانات دولية مُخترقة الحصار الذي تعاني منه سورية. وأكد جلول أن الجمهور السوري لم يتخلَ عن المسرح السوري وهو جمهور ذواق وناقد ومصدر من مصادر التسويق، واستغرب من الذين يعيبون على مديرية المسارح ومخرجي بعض العروض استقطابهم لنجوم التلفزيون في المسرح، ورأى أنه من المبرّر استخدام كل الطرق لشدّ الجمهور إلى المسرح، منوهاً كذلك بتجربة المديرية في مشروع مسرح الشباب الذي أطلقته إيماناً منها بضرورة إعطاء الفرص للشباب لاعتلاء خشبة المسرح، مطالباً الجميع بتقديم الدعم لهؤلاء بدلاً من توجيه الانتقادات للمديرية بمنحها هذه الفرص.
أمينة عباس