زيارة بابا الفاتيكان للعراق وحديث الشارع العراقي
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
سومر، أور، أكد، بابل، آشور، أوكريت، ماري، المناذرة، حضارات إنسانية عريقة شمخت وتسامت بمنجزاتها في بلاد وادي الرافدين، حضارات خلدها التاريخ لتكون هداية للأجيال الإنسانية ليس على أرض وادي الرافدين بل لكل شعوب الأرض.
ومن أجل ترسيخ مفاهيم التعايش السلمي بين الشعوب، كانت زيارة البابا فرنسيس للعراق مؤخراً تاريخية وإنسانية، فهي رسالة دعم معنوية كبيرة ليس فقط للمسيحيين بل للأقليات الأخرى التي تركت وطنها بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م والأحداث المؤلمة التي حلت في هذا البلد الحضاري، وكانت هذه الزيارة في هذه الظروف الحاسمة من الحروب الأمريكية والصهيونية على المنطقة تحمل إشارات واضحة وصريحة، أولهما في البعد التاريخي لأن أرض وادي الرافدين هي مهبط الرسالات والأنبياء والصالحين، وأن هذه الأرض علّمت العالم صور الحياة في يوم كانت كل أمم الأرض بحاجة إلى علومنا وأدبنا وفنوننا. أما البعد الثاني لهذه الزيارة فهو اعتراف ضمني بأهمية وقداسة الآثار التي تركتها تلك الحضارات التي يؤمها الجميع من كل أنحاء العالم، أما البعد الثالث فهو ما قام به البابا فرنسيس من تقديم رسالة سلام وأخوة إلى العراقيين وإلى شعوب المنطقة بجميع طوائفهم عنوانها المصالحة واحترام حرية المعتقد، واحترام هوية كل ديانة.
ورغم أن لقاء بابا الفاتيكان بالمرجع الديني السيد السيستاني كان في غاية من الأهمية وأكد على التقارب بين الأديان والحضارات ونشر السلام ونبذ الحروب، إلا أن السيد السيساني لم ينسَ القضية الفلسطينية وشعب فلسطين الذي طرد من أرضه بقوة السلاح.
على العموم، إن زيارة بابا الفاتيكان للعراق كانت إشارة واضحة لتعريف العالم بمعالم أعظم حضارة في وادي الرافدين التي عجزت كافة وسائل الإعلام عن تقديمها للعالم بكبريائها وعظمة وجودها وعطائها عبر آلاف السنين، اللهم إلا ما كتب عنها نتفاً في بطون وسائل الإعلام العالمية. لقد نام هذا المكان الحضاري قروناً عديدة وسيستيقظ بهمة العراقيين، لأن أرض وادي الرافدين التي استقبلت واستمعت إلى حديث البابا في زقوره أور وهو يقول: “إنه توجه إلى العراق تائباً لكي يلتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب”.
وعلى كل حال فإن زيارة بابا الفاتيكان للعراق مع ما فيها من تصورات سياسية وشعبية عراقية كانت نقطة انطلاق لحوار الحضارات والأديان على أرض وادي الرافدين مع اليقظة والحذر من الدوافع المتعصبة الإرهابية الجانب الآخر.
تلك الشواهد الحضارية التي أعطت لكل شعوب الأرض أبجدية الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية حلّ بابا الفاتيكان مرحباً به وهو ينادي (بالأخوة) والتعايش السلمي بين الحضارات والأديان، وسلام على أرض السلام، بلاد وادي الرافدين.