“ظلال” أول فريق من مخايلي مسرح خيال الظل
خيالُ الظل ليس مجرد دمى تحركها أصابع المخايلين من وراءِ ستارةٍ رقيقة، بل هو وجدانٌ شعبي وذاكرةٌ حيّة وجزءٌ من حكايات الشعوب ورسالتها، وقطعةٌ لا تموت من تاريخها وحضارتها، فقد كان مسرح خيال الظل أول عنصر من التراث الثقافي اللامادي السوري، تمّ ترشيحه من قبل سورية لإدراجه على قوائم الصون العاجل في منظمة اليونسكو سنة 2018 ليبقى هذا التراث في ذاكرتنا وثقافتنا ووجداننا مُصاناً لا تُزيلُه سنوات أو عصور، تتوارثُه الأجيال، فيسلّم كلُ جيلٍ الستارة للجيل الذي يليه.
محطة ظلال التلفزيونية
لم يكن إدراج مسرح خيال الظل السوري على قوائمِ الصون العاجل لليونسكو إلا محرضاً للأمانةِ السورية للتنمية وعبر برنامجِ التراث الحي نحو صونِ خيال الظل كتراثٍ ثقافيّ لامادي، فكانت الخطوة الأولى في الاحتفالية التي أقامتها الأمانة السورية للتنمية مؤخراً تحت عنوان “مخايلون سوريون” على خشبة مسرح الدراما في دار الأوبرا، والإعلان من خلالها عن تأسيس “فريق ظلال”. وقد بيّنت شيرين نداف المشرفة على مشروع إحياء وتطوير عنصر مسرح خيال الظل في برنامج التراث الحي في الأمانة أنه أول فريق من مخايلي مسرح خيال الظل، وقد قدم المتدربون البالغ عددهم 20 شخصاً عرضاً مسرحياً بعنوان “محطة ظلال التلفزيونية” عبر مسرح خيال الظل، عرّفوا به عن شخصياتهم وعددها 24 شخصية كانت نتاج التدريب ضمن إطار مسرحي ممنهج، حيث قدموا كل شخصية بمواصفاتها ودورها وصوتها إلى جانب شخصيتَي كراكوز وعواظ الذي أدى دوريهما المخايل شادي حلاق، إلى جانب فقرات عزف موسيقي من وحي موسيقا مسرح خيال الظل من أداء الموسيقي علاء العبد الله وعازف الإيقاع مازن حمزة.
مقهى شعبي وتنسيب نقابي
وأكدت شيرين نداف أن هذا الفريق سيستمر بإقامة العروض المتنوعة مع مختلف الجهات، وستدعمه الأمانة السورية للتنمية من خلال توفير مقهى شعبي ضمن دمشق القديمة ليكون مكاناً ثابتاً لإقامة عروض منظمة وفق برنامج محدّد، إضافة إلى توفير آلات ومعدات لتصنيع قطع جديدة، والعمل على دمج أنشطة الفريق ضمن برنامج المنارات المجتمعية التابع للأمانة الذي يمكن من خلاله الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع السوري في مختلف المحافظات، واستخدام مسرح الظل ضمن البرامج التعليمية والتوجيهية والثقافية والترفيهية، مبينة أن الأمانة السورية قامت بمنح المخايلين الدمى التي قاموا بصناعتها مع كافة لوازمها، إضافة إلى منح مسرح خشبي لكل متدرّب ليكون كل فرد منهم متمكناً من تنفيذ مشاريعه الشخصية بشكل مباشر، كما تعمل الأمانة حالياً بالتعاون مع وزارة الثقافة على تنسيب مخايلي فريق ظلال إلى نقابة الفنانين وفق الأنظمة المنصوص عليها ضمن النقابة، وذلك لمنحهم صفة رسمية ضمن إطار مؤسساتي محدّد. ورأت أن المطلوب لاستمرار الفريق وجود الدعم اللوجستي والفني والمعنوي، وتوفير مشاريع وفرص مستقبلية للفريق، وهو ما تعمل عليه الأمانة السورية للتنمية عبر افتتاح المقهى الشعبي الذي سيحتضن عروضها وتوفير تنسيب نقابيّ للمخايلين، إضافة إلى مجمل أعمال التنسيق مع الشركاء لإقامة عروض وبرامج تدريبية.
رسائل اجتماعية وثقافية
وأوضحت شيرين أن تأسيس فريق ظلال لم يكن وليد الساعة، فمع إدراجِ مسرح خيال الظل السوري على قوائمِ الصون العاجل لليونسكو كان لا بد من التوجّه لتدريب أشخاصٍ يهتمون بهذا التراث حتى يُصبحوا مخايلين محترفين، فكان أن أعلنت الأمانةُ السورية للتنمية عن إقامةِ برنامجٍ تدريبي حول مسرحِ خيال الظل، وقد تقدّم إليه العديدُ من الشباب والشابات، ولأن مسرح الظل هو فنٌ وثقافةٌ عميقةٌ أكدت نداف أنه تمّ وضع معايير دقيقة للقبول والاختيار، فكانت النتيجة قبول اثنين وعشرين متدرباً ومتدربة خضعوا لتدريب طويلٍ ومُتقَنٍ على مهارات خيال الظل وفقاً للتقنيات الأصلية على يد أساتذة مختصين، مشيرة إلى أن برنامج فترة التدريب حمل في يومياته تطويراً لشخصيات وقصصِ خيال الظل على أيدي المخايلين الجدد الذين عملوا على أن يُصبح هذا المسرح ذا صلةٍ بالواقع الراهن بأشخاصه وقصصه المحكيّة، مع الحفاظ على وظيفة مسرحِ خيال الظل كعنصرٍ اجتماعيّ فكاهيّ ناقد، يحملُ رسائلَ اجتماعية وثقافية هادفة. من هنا مرّ المتدربون بمراحل متعدّدة وابتكروا شخصياتهم التي تحاكي جزءاً من واقع المجتمع السوري، وعكسوا إبداعاتِهم في تصنيع هذه الشخصيات بأشكالها المميزة والفريدة، وبناء مسارح لخيال الظل بأشكالها التقليدية المحبّبة والمألوفة، ثم انتقلوا إلى خلقِ أصواتٍ وقصصٍ لهذه الشخصيات، وكيفيةِ التحكمِ بها والتمثيلِ من خلالها، للوصولِ إلى روحِ الجمهور وقلبه وعقله. ونوهت شيرين بأن المتدربين درَسوا أيضاً منهجاً نظرياً ثقافياً عن مسرح الظل، وخضعوا لامتحانٍ نهائي أشرفت عليه لجنةٌ علميةٌ متخصّصة.
عروض تجريبية
وأشارت شيرين نداف إلى أنه وعلى الرغم من أن الفريق قد تخرّج مؤخراً، إلا أنه ومنذ انتهاء التدريب بدأ بإقامة عروض تجريبية، حيث نفّذ سنة 2020 عروضاً عبر مسرح الظل في خمس محافظات سورية هي: دمشق وريفها، اللاذقية، السويداء، درعا بالتعاون مع 13 شريكاً من الجهات الحكومية وغير الحكومية، وقاموا بتصنيع 8 شخصيات جلدية جديدة من مسرح خيال الظل تعبّر عن أزمة COVIED 19 وبث مقاطع توعوية حول طرق الوقاية من الفيروس.
أمينة عباس