“ملح لهذا البحر”.. قصائد تحاكي الهمَّ الفلسطيني
بعد أن كتب الشاعر أحمد دخيل عشرات القصائد المغنّاة لفرق الأغنية الوطنية الفلسطينية، بينها “العاشقين” و”نداء الأرض” ومجموعة مسرحيات شعرية وغنائية، منها “عرس الزيتون” التي قُدّمت عام 2015 في دار الأوبرا بدمشق، احتضن المركز الثقافي العربي في أبو رمانة مؤخراً حفل توقيع ديوانه الشعري الأول “ملح لهذا البحر”، بالتزامن مع ندوة أدارها الإعلامي عمر جمعة وشارك فيها الكاتب د. حسن حميد، والإعلامي والشاعر بلال أحمد والشاعر د. عبدالله عيسى.
تقرير شعري
وبيَّن الشاعر أحمد دخيل في تصريح لـ”البعث” أن الديوان الذي أصدرته دار كنانة للطباعة والنشر في دمشق يضمّ نحو 25 قصيدة تمثّل تجربته الشعرية التي تمتد نحو 20 عاماً، مؤكداً أن المخاض لهذا الديوان كان طويلاً، بدأ منذ عشرين عاماً، ومنذ ذلك الوقت وهو ينتظر ولادة هذا المولود، إلى أن رأى النور بفضل شريف الرفاعي والعديد من الأصدقاء كالروائي حسن حميد والإعلامي عمر جمعة، مشيراً إلى أن الديوان ضمّ قصائد تحاكي الهمّ الفلسطيني، وهو أيضاً أشبه بتقرير شعري عن زيارته الأولى لوطنه فلسطين عام 2011 من خلال مشاركته في ملتقى ثقافي مثّل فيه الشعراءَ الفلسطينيين في سورية، موضحاً أنه اتّكأ في كتابة القصائد على الغنائية، مازجاً بين الحداثة والشعر الكلاسيكي، فعلى صعيد الشكل الفني ترك دخيل القصائد على سجيتها لأنه مؤمن أن النص كطائر إذا أحكم عليه المكان يفقد شيئاً من خصوصيته وجماليته، وهذه الأريحية التي تركها للقصائد جعلت الصور تنسابُ بكثافة، وهذا ما يطمح إليه في أن يُشاهد المتلقي صوره ولا يكتفي بنحت المعاني فقط.
الوشوشات والهمهمات
وتحدث الروائي د. حسن حميد عن المخيم الذي أنبت شاعراً بحجم الراحل فواز عيد وشاعراً كأحمد دخيل وأمثاله من شعراء المخيمات الفلسطينية بوصفه وقيدة حزن جعلت سطور الشعر تضيء حبراً ومعنى على يدي دخيل الذي حاول في ديوانه الشعري الأول “ملح لهذا البحر” أن يقول كل ما حَلُم به طوال أربعين سنة، محاوراً فيه فلسطين بالنداءات والوشوشات والهمهمات وبثاً للأشواق التي دمرت صدور أبناء المخيمات بكل ما في اللوعة من حنين، كتبه دخيل بروحه وجعل من قصيدته رمزاً فلسطينياً وافرَ الحضور، ومن يقرأ قصائده سيجد يد الحذق وهي تُبعِد كلمة هنا وكلمة هناك كي تضيء الأسطر على الرغم من حزنها، وهذا يشير برأي حميد إلى تريّثه وتمهله قبل طباعة الديوان وقدرته على ضبط خطواته الشعرية على هذا النحو الوازن، وبشاعرية عارمة وروح جلواء للمعاني وبإيقاع رنيم تبديه الصور الجاذبة، مشيراً إلى أن قصائد دخيل تتضمن جماليات أتت بها الموهبة حيناً والثقافة الواسعة حيناً آخر، والأحزان المتشابكة مثل حقول من الشوك، مؤكداً أنه كان متشككاً في أن مخيماً صغيراً مثل مخيم جرمانا يجدّد أحزانه يومياً لن يأتي بشاعر فذّ يطاول شاعرية فواز عيد الذي قال عنه محمود درويش: “هذا شاعر تعلّمت منه الكثير” ولم يكن وحيداً كان أشبه بالمدرسة، تعلم فيها الكثير من الشعراء، إلا أنه منذ أن قرأ الديوان أحسّ أن دخيل لا يجدّد أنساغ الحزن وأحلام العودة والحنين والتذكر فحسب إنما يجدّد فحولة الشعر وعراقته.
القلب له أبواب والشرايين دموع
وأكد الشاعر والإعلامي بلال أحمد أن الشعر الفلسطيني مازال مواكباً لقضيته من خلال الشعراء الذين يدافعون بأقلامهم إلى جانب الفدائي الذي يدافع ببندقيته، ومن هؤلاء أحمد دخيل في باكورة أعماله “ملح لهذا البحر”، مضيئاً في مشاركته على عدة جوانب فيه لجهة الموسيقا واللغة والصور والهموم التي حملها، وقد تميّزت قصائده بالانسيابية والقدرة على حمل المشاعر العالية للدفقات الشعورية المليئة بالشجن والحزن تارة، وبصخبها وقوتها تارة أخرى، منوهاً كذلك بأن الديوان جاء مليئاً بالصور الجديدة التي نتجت عن التراكيب اللغوية الناتجة عن العلاقات الجديدة في اللغة، فالكلام يجفّ والقلب له أبواب والشرايين لها دموع والرياح لها ضفاف، كما جاءت الجمل والتراكيب مليئة بالصور الرمزية الشفافة والعميقة. وأوضح بلال أحمد المجموعة موجّهة للفلاح والإنسان المقاوم وليست موجهةللنخبة، فكان دخيل يتكلم بلغة سهلة بسيطة سهلة، تعتمد الحكاية أحياناً والحوار أحياناً، إلى جانب نهله من الموروث الديني بما يناسب قصائده، وما بين الهمّ القومي والوجداني العاطفي والوطني والإنساني وجد أحمد في قصائد دخيل المرأة وطناً.
الغنائية الطازجة
وكان الشاعر د. عبد الله عيسى وهو اليوم ملحق ثقافي في السفارة الفلسطينية في موسكو قد أرسل قراءته للديوان عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقام بقراءتها الإعلامي عمر جمعة، حيث أشار فيها إلى اللغة الغنائية الطازجة التي تتمتّع بها قصائده والتي لا تتشابه مع سواها إلا لتخرق المألوف عبر خطاب مقترح يبني نيّته التعبيرية برؤية من يقبض على جمرة المعرفة دون أن يعلن قطيعة نهائية مع التصورات التي حكمت القصيدة الفلسطينية والعربية الحديثة، بل منطلقاً مما انتهت إليه في عملية انحياز لإنجازاتها الجمالية والبناء عليها سعياً لتطويرها. وأوضح د. عيسى أن قصيدة “أنا ملح لهذه الأرض” تبيّن أن أنا الشاعر هي ذاتها ملح البحر، وهذا البحر هو بحر فلسطين الذي عاينه الشاعر أثناء زيارته لوطنه المفقود إلى حين، مشيراً إلى أن دخيل تنقل في الديوان بين الأمكنة والحيوات المتعدّدة بأسماء وأوصاف متعدّدة: الأم الغائبة، الزوجة والابن، المخيم، الشتات، اللجوء، والمجازر، دون أن يكتفي الديوان بالاتكاء على غنائية وصلت مداها في النص الشعري الحديث، وتحديداً في التجربة الدرويشية، بل خاض مغامرة نحت نشيد يغني التراجيديا أيضاً، ويجعل من التوقيع الصوتي في النص مجسداً بالقافية توقيعاً معنوياً يكتمل فيه المغنى والمعنى، مؤكداً أن هذا الديوان يشكّل إضافة لتجربة الشاعر ويتيح قراءة جادة للقصيدة الفلسطينية، ولاسيما الغنائية منها ببنيتها التعبيرية وخطابها المتعدّد والمختلف.
وألقى الشاعر أحمد دخيل بعض قصائد الديوان خلال الندوة التي تخلّلها أيضاً عزف على آلة العود وغناء من الفلكلور الفلسطيني من قبل الفنان يوسف العاص.
أمينة عباس