أقـل مـا يـقـال .. تحملوا مسؤولياتكم أسوة بمن سبقكم..!.
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
لم تشهد الأسعار ذلك الانخفاض المتوائم فعلياً مع انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وإن حدث فهو يكاد لا يذكر.. إذ لا يزال التجار يتمسكون بهوامش أرباح غير منطقية على حساب المستهلك..!
لا شك أن هذا مؤشر خطير على ادعاءات التجار لجهة خفض الأسعار من جهة، وعدم اضطلاعهم بمسؤولياتهم الاجتماعية من جهة ثانية، وانخفاض مستوى أداء وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إزاء مراقبة الأسواق وضبطها من جهة ثالثة، وتمادي المتاجرين بالأزمات من جهة رابعة..!
يدفعنا هذا المشهد للحديث مجدداً عن زمن التجار “المؤصلين” الذين كانوا ركائز أساسية لضبط الأسواق والحيلولة دون جنوحها كما هو حاصل الآن، من خلال اعتمادهم نهجاً مفعماً بأدبيات التجارة وما يحمل في طياته من بعدٍ اجتماعي يراعي الحالة المعيشية للمواطن.. لم لا وهؤلاء “المؤصلين” كانوا قد تشربوا أصول التجارة بعيداً عن شبهات وممارسات “حديثي النعمة” ممن اصطلح على تسميتهم بـ “التجار”..!
كثيرة هي الصور التي تعكس قيم وأصول تجار سورية في زمن أولئك “المؤصلين” سواء في علاقتهم فيما بينهم والتركيز على مسألة الانتفاع المشترك البعيد عن المصلحة الشخصية وعدم الإضرار بالمصلحة العامة، أم في تعاطيهم مع الشأن العام والأخذ بعين الاعتبار عدم الاحتكار وتسهيل انسياب السلع والمواد ولاسيما في أوقات الشدة وبأسعار مقبولة، إذ كان تجار ذلك الزمان ممثلين باتحاد غرفهم ملتزمين بمسؤوليتهم الاجتماعية قبل التجارية، فطالما سمعنا عن مواقف تجار ذلك الزمن ومسارعتهم الذاتية للبيع بسعر التكلفة دونما أي استعراض إعلامي..!
مقابل صور نقيضة حالياً تعكس التسابق المحموم للمتاجرة بأية أزمة تعصف بالاقتصاد وعدم ادخار أي جهد لتضخيم الثروات على حساب البلاد والعباد، حيث الاحتكار على أشده، والمنافسة المشبوهة بين عدد من التجار لجهة طرح مواد وسلع بأسعار أقل “ظاهرياً” على حساب تخفيض الوزن “عملياً” للسلع الموضبة والمغلفة، ويضعون أنفسهم بنهاية المطاف على محك الحث لتقديم مبادرات إنسانية يؤمل أن تؤتي أكلها..!
للأسف.. رغم اشتداد الأزمات وإطباق خناقها على المواطنين، لم نلحظ مبادرات من اتحادات الغرف بمستوى هذه الأزمات، وإن وجدت فهي من باب ذر الرماد بالعيون، فلم نلمس – على سبيل المثال – أي تجاوب لدعوات اتحاد غرف التجارة السورية وبياناته المتعلقة بضبط الأسعار، ولم نجد ذلك الأثر لسلسلة مهرجان “صنع في سورية” التي تدأب غرفة صناعة دمشق على إقامته بشكل دوري، فهو أشبه ما يكون بروباغندا إعلامية…!
يستوجب هذا الواقع من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك متابعة اتحاد غرف التجارة السورية، والتوصل معه إلى صيغة تلزم التجار بأدبيات العمل التجاري، فالاتحاد بالنهاية كيان وطني، ويفترض به تحمل مسؤولياته كاملة، فالوجع عام، وعلى الجميع المشاركة بالتعاطي معه للخروج من عنق الزجاجة، والأهم منذ هذا وذاك الابتعاد عن تقاذف المسؤوليات جزافاً، أو الهروب إلى الأمام تفادياً لتفاقم المشكلة..!