معرض سالم عكاوي.. الحيرة تختبئ خلف الستائر
افتُتح هذا الأسبوع معرض الفنان التشكيلي سالم عكاوي في المركز الوطني للفنون البصرية، والذي كتب له مدير المركز الفنان غياث الأخرس في دليل المعرض مشيراً إلى أهمية البحث في التجربة الفنية: “البحث والتجريب هو نواة الفنان، هذه هي أول فكرة ظهرت في مخيلتي عندما شاهدت أعمال الفنان عكاوي في تجريده، بالمقارنة مع فناني جيله، إنه يحتفظ بفضاء يحمي مفرداته التشكيلية ويجعلها تسبح بذلك الفضاء، ما يعطي العمل الفني الهدوء والراحة أكثر..
في تلك الأعمال المتنوعة دليل واضح على البحث عن الذات والتجريب المستمر غير الثابت، بين النزق والتأليفات المتحركة ضمن طبقات زمنية متراكمة من جهة أو أسطح صامتة متقشفة من جهة ثانية، ومعبّرة عن حسّ شفاف بين الخط بأثره الواضح في أعماله والتشكيل به، فهذه التنقلات هي انعكاس التجريب والاكتشاف لدى الفنان”.
لوحات عكاوي في فضاء الصالة المتّسع واللائق منفذة بألوان الإكرليك على القماش، يجاورها عدد من المكعبات الخشبية التي نفّذت عليها أعمال الفنان بالمادة الصباغية نفسها، وبأسلوب ليس ببعيد عن اللوحات المعلقة على الجدار، مكملة مشهد المعرض الواحد في جملته التجريبية والبحثية، حسب وصف مدير المركز الذي جعل من عناصر اللوحة كائنات تسبح في متّسع من الفضاء الملون المانح للراحة والهدوء.
إن عكاوي الفنان الذي يختبر توقعات العيش مع الألوان واللوحة إنما هو المطمئن لأي نتيجة ستحدث، سواء قبل نهاية العمل أو بعده، فمتعته تقع في ذلك الحيّز الكائن في اللعب واستكشاف مكنونات جديدة تتوافق مع وعيه الثقافي وحساسيته تجاه العمل الفني، وهو متابع بلا شك للعديد من التجارب السورية المؤثرة، وقلّما ينجو أحد من تأثيرها، خاصة ونحن أمام عالم مفتوح لكل الاحتمالات والتجارب الأخرى مما يجعل من الأمر أكثر صعوبة على الفنان الباحث عن ذاته، هذا القلق الصحي المرافق هو دافع عضوي في الخلق.
لا شك أن سالم المكتظ بالمشاهد والذاكرة تسكنه حيرة من نوع خاص، مثله كمثل أولئك الذين يرسمون حيرتهم على تراب الأرض وكأنه قماش لوحتهم ودفترهم الذي يدوّنون عليه ما تمليه ساحة التجلي والعاطفة، ليكتشفوا أنهم أمام العديد من الحواس العالية والمتناقضة، وأمام فيض من اللمسات الوجدانية التي تجعل من العيش أمراً ممكناً، إنه الفن في مناخ الحرية المطلق حيث لا رقيب إلا التلقائية والتداعي المرسوم بصيغة الدوائر المغلقة على كينونة النفس العميقة بخطوط التهشير المنفعل والجارح حيناً واللطيف والشفيف حيناً آخر، تكتمل هذه اللوحة حين ينتهي سالم من حذف بعض ما اقترفته يداه من لغة زائدة وحيرة تفيض عن حاجة العين لها، ليجعل من المشهد أمراً ممكناً أن يعيش ويتنفس هذا الهواء المحيط.
تغيبُ في لغة التصوير الخاصة بعكاوي المباشرة والواقعية الساذجة، ويذهب بها نحو تجليات من نوع خاص تنضج بالحذف والتفكيك وإعادة الصياغة العاقلة، حيث العين الخبيرة بقيمة أي أثر غرافيكي أو لمسة على السطح، هنا يكون الفنان الحاذق الأكثر نضجاً ووعياً بذاته التلقائية التي تتجوهر بتتبع حيرتها الماتعة، إنه الفن لغة التلميح والمجاز الآسرة، شكراً سالم عكاوي لأنك رسمت حيرتنا وأبقيت على بعض من سماء الأرض لنا.
أكسم طلاع