هل يمكن للبعث أن يستمر؟..
“البعث الأسبوعية” د. مهدي دخل الله
لا شك في أن حزب البعث يتعرض اليوم لأزمة ما دام المجتمع كله في أزمة ، والحركة الحزبية العالمية بفصائلها كافة ، يساراً ويميناً ، في أزمة ..
وأزمة الأحزاب تستند إلى أزمة الإيديولوجيا بوجه عام ، حيث يتراجع دور الإيديولوجيا في المجتمعات لصالح “حركات القضايا” ، وهي حركات غير منظمة تقود احتجاجات الشارع ضد العولمة في الدول المتطورة .
لكن السؤال هو : هل يمتلك البعث مكامن المقدرة على تخطي الأزمة والاستمرار في قيادة التحولات التاريخية التي يشهدها الواقع اليوم على المستويات كافة ؟؟..
من أهم مكامن قدرة حزب البعث على تخطي الأزمة هو في مرونته الإيديولوجية وواقعيته المسيطرة . فالبعث ليس حزب طبقة أو فئة محددة من المجتمع ، لذلك ليست لديه إيديولوجيا ضيقة تمثل تلك الفئة ، وتنحصر في حدودها . أفكار البعث جماهيرية في محتواها بسبب عموميتها الفكرية ، وهي تمثل وعي غالبية الناس ، فلا خلاف بين هذه الغالبية حول مبادئ البعث الأساسية : الوطنية والعروبة والمضمون الإنساني للفكر القومي . لذلك يضم البعث في عضويته أفراداً يلتقون في تلك المنطلقات العامة ويختلفون في المحددات التفصيلية يميناً ويساراً . فالبعث فيه اليميني واليساري ، المؤمن بالتحول السريع والمتمسك بالتحول البطيء ، الداعي إلى التحول الجذري والمكتفي بالتحول الممكن . كان هذا مكمن ضعف لدى الأحزاب التقليدية ، يساراً ويميناً ، لكن أكدت الأحداث أنه مكمن قوة بعد انهيار أحزاب الإيديولوجيا في أوروبا ، شرقها وغربها ..
وهناك مكمن آخر مهم من مكامن قدرة البعث على تخطي الأزمة هو خروج قادة عظام من صفوفه . هؤلاء القادة تخطوا بأدائهم وتأثيرهم نطاق الحزب إلى نطاق الشعب الواسع ، وعبر شخصيتهم وفكرهم اكتسب الحزب شعبية عريضة ..
والمكمن الثالث ، أن التغيير ليس جديداً على البعث ، بل هو من تقاليده المعروفة ، فالبعث قادر على التكيف مع متطلبات المرحلة وليس لديه نصوصاً مقدسةً .. كل شيء عنده خاضع للمراجعة في إطار المنهج النقدي والمبدئية الواقعية ..
ولعل من أهم عوامل القدرة على الاستمرار هو مبدأ أسبقية المعرفة على الإيديولوجيا . ذلك لأن الإيديولوجيا تصور مسبق لواقع افتراضي بينما المعرفة اكتشاف قوانين التحول من لدن الواقع الحقيقي وليس الافتراضي . الشيوعية السوفييتية انهارت لأن التصور استبق الواقع المتحول ، أي أن الإيديولوجيا استبقت المعرفة ، وهذه مشكلة كبيرة أعتقد أن البعث لا يعاني منها ..
والمسألة الأكثر أهمية هي استدارة البعث نحو مساحات جديدة ، أولها التوجه نحو المجتمع والمشاركة في يومياته وعدم التركيز على السلطة ومؤسساتها ..
وهناك أيضاً تفعيل طاقة القواعد والانتهاء بشكل كامل من نمط القيادة الآمرة والقواعد المأمورة، فالحزب قوته في قواعده الموجودة فعلياً بين الناس ..
وقد جرت في العامين الأخيرين تحولات نوعية في هذين المجالين التوجه نحو المجتمع وتفعيل دور القواعد . فقيادته المركزية تشارك في مؤتمرات الشعب والفروع في جميع أنحاء الوطن بما فيها المناطق القريبة جداً من المناطق المحتلة والمسيطر عليها ..
كما وضع الحزب برنامجاً اجتماعياً محدداً فيه توجهات واضحة نحو التفاعل مع المجتمع ومشاركة الناس قضاياها اليومية .
هذه الاتجاهات التطويرية تتعزز باستمرار حيث يسود اعتقاد صحيح مفاده أن مبدأ التطوير ضروري ، ولا يمكن الاستغناء عنه ، كي يواصل الحزب تأثيره على التحولات الكبرى في المجتمع والواقع عموماً ..