أردوغان.. محاولة تعويم جديدة
سنان حسن
لم تشفع للأدميرال المتقاعد جيم غوردنيز كل المشاريع التي قدّمها لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، ولاسيما عقيدة “الوطن الأزرق” التي تبناها وجعلها دليله الجديد للبلطجة في المنطقة، لم تشفع له في أن يبقى بمأمن من أجهزة أردوغان وشرطته السرية التي اعتقلته وزجت به في السجن بعد البيان الذي سطّره هو و103 أدميرلات بحريين رفضاً لخروج تركيا من “اتفاقية مونترو” التي وقعت عليها أنقرة قبل قرن من الآن، ولكن أردوغان الذي تسلّق على أكتاف معلمه وأصدقاء دربه وما زال، لن يكون الأدميرال غوردنيز هو الأخير الذي يضحي به في سبيل أن يبقى مهيمناً على السلطة في تركيا، فما جرى في الفترة الأخيرة من بيان الأدميرلات وما تلاه من بيان 126 سفيراً سابقاً أعلنوا صراحة تأييدهم لبيان الـ104 أدميرلات، ومن ثم تأييد أحزاب رئيسية في المعارضة للحراك المناهض لأردوغان وحزبه، يؤكد أن الأخير في مأزق كبير وحساس قبل استحقاقات مهمة تنتظره وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية، لذا فإن الفرصة مواتية اليوم لشدّ عصب جمهوره الإخواني والقول: إن الانتقادات التي توجه إليه قيادات في الجيش والمعارضة هي محاولة جديدة للانقلاب عليه، ولا سبيل إلا باستمرار القبضة البوليسية التي يفرضها من خلال أجهزته السرية.
منذ محاولة الانقلاب المزعومة في 2016 شنّ رئيس النظام التركي حملة اعتقالات واسعة ضد معارضيه ومناوئيه تحت ذريعة واحدة هي الاشتراك في الانقلاب، حيث لم يخجل وزير داخلية النظام التركي سليمان صويلو من الكشف عن حصيلة العمليات الأمنية الواسعة التي أطلقتها أنقرة عقب محاولة الانقلاب، وشملت احتجاز الأجهزة الأمنية 282 ألفاً و790 شخصاً واعتقال وحبس 94 ألفاً و975 آخرين من خلال 99 ألف و66 حملة أمنية، ليبلغ إجمالي الأشخاص الذين تم اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم 597 ألفاً و783 شخصاً، الأمر الذي أدّى إلى تحويل تركيا لسجن كبير باعتراف منظمات حقوقية وإنسانية دولية.. ما يعني أننا اليوم وبعد حادثة بيان الجنرالات البحريين أمام موجة جديدة من الترهيب والقمع، وقد بدأت أولى بوادرها عندما اتهم أردوغان وطاقمه الأمني حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة أنه المحرك لهذا البيان المشبوه على حدّ زعمه، أي أن قادة الحزب أبرز المنافسين لأردوغان باتوا رهن الاعتقال والملاحقة والتهمة جاهزة، ولكن السؤال المطروح حالياً كيف ستردّ المعارضة على هذه الملاحقات الجديدة؟.
لقد شكّل فوز المعارضة في أكبر بلديتين في الانتخابات البلدية الأخيرة “أنقرة واسطنبول” ضربة موجعة لأردوغان وتحالفه مع الحركة القومية، ومنذ ذلك التاريخ وأردوغان يسعى بكل ما يملك إلى تفريغ هذا الانتصار من مضمونه بالاستفادة من السلطات التنفيذية الكبيرة التي منحها لنفسه بموجب التعديلات الدستورية التي أقرها بعد تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، تارة من باب شطب أحزاب معارضة من البرلمان تحت ذرائع ومبادئ هو نفسه يخالفها ليلاً نهاراً كما يحصل مع حزب الشعوب الديمقراطي، وتارة من بوابة الانسحاب من الاتفاقيات الدولية كسباً وإرضاءً لحلفائه وقاعدته المتطرفة الإخوانية “انسحابه من اتفاقية اسطنبول لحقوق المرأة”، وليس آخراً طرحه مشروعاً جديداً لتغيير الدستور التركي وكتابة دستور جديد على مقاسه ومقاس حزبه الإخواني.
إن ما جرى بعد بيان الجنرالات والسفراء يؤكد أن الأوضاع في تركيا إلى مزيد من التعقيد والتوتر، وأن حالة الترهيب التي يقودها أردوغان وعصابته الإخوانية المتطرفة لن تجلب له الشعبية كما يعتقد، فالجميع في تركيا بات يدرك أن هذه المحاولات هي بهدف الحفاظ على السلطة، وعليه ستكون الانتخابات الرئاسية القادمة فاصلة في نهاية حقبة أردوغان وحزبه.