تحذيرات الثعلب كيسنجر
تقرير إخباري
مع استمرار البيت الأبيض في توتير العلاقات مع روسيا والصين، حذر ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر واشنطن مؤخراً أن عدم الموافقة على نظام دولي جديد أو الاستمرار في دفع التوترات قد تؤدي إلى حالة مشابهة لعشية الحرب العالمية الأولى.
ففي ندوة عبر الإنترنت في معهد “تشاتام هاوس” مع وزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هانت قبل أيام، دعا كيسنجر الولايات المتحدة إلى خلق توازن مع القوى العالمية الحالية، مضيفاً: “إذا تخيلت الولايات المتحدة أن العالم سيلزم نفسه بمنافسة لا نهاية لها بهدف الاحتفاظ بهيمنتها، فإن انهيار النظام أمر حتمي، وستكون عواقبه كارثية”. كما حث الولايات المتحدة أن تدرك أنه ليس لكل قضية “حلول نهائية”، وحذر قائلاً: “إذا لم نتوصل إلى تفاهم مع الصين بشأن هذه النقطة، فسنكون في وضع يشبه ما قبل الحرب العالمية الأولى، حيث توجد نزاعات دائمة يتم حلها على الفور ولكن أحدها يخرج عن السيطرة في مرحلة ما”.
التصريح يحمل في طياته الكثير من الدلالات، ولكن يبدو أن فكرة تخلي الولايات المتحدة عن فرض إرادتها وسياستها المتعنتة غير مقبولة لدى الإدارة الأمريكية الحالية، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الخطاب شديد اللهجة والإساءات التي يوجهها جو بايدن باستمرار ضد نظيريه الروسي والصيني، التي، ورغم أنها ليست إلا تعبيراً عن العجز الأمريكي، تؤدي لزعزعة العلاقات بدل من ترميمها، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار العالمي. فالإستراتيجيون العسكريون في الغرب يدركون أن التعاون الروسي الصيني لا يمكن تعويضه بأي شيء، لذلك لا بد لواشنطن أن تلجأ إلى إستراتيجية تشبه اقتراح كيسنجر بإيجاد توازن، و تقبل الواقع متعدد الأقطاب الذي لا يمكنها تجاهله.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن حياة كيسنجر المهنية ملطخة بالدماء، فهو من دعم باكستان خلال حرب استقلال بنغلاديش على الرغم من المذابح التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين، كما دبّر انقلاباً عسكرياً في تشيلي، وبارك الغزو التركي لشمال قبرص، الذي أدى إلى لجوء 200 ألف يوناني دون حق العودة.
وبالعودة إلى تصريحات بايدن فهي دليل جديد على أن واشنطن غير مستعدة للاستماع إلى صوت العقل وإنهاء العدوان، الذي تمارسه من خلال قوتها الصارمة والناعمة، لأنها تعتقد أنها تستطيع الحفاظ على نظام أحادي القطب، ومن الصعب دائماً، على الدول المهيمنة تقبل التغيير العالمي. فإدارة بايدن تستخدم خطاب تهديد متعمد يظهر بأنها لن تقبل نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب.
والدليل على ماسبق مسارعة الإدارة الأمريكية لدعوة الكيانات المشاركة في مشروع “نورد ستريم 2” للانسحاب منه “فوراً” تحت طائلة فرض عقوبات عليها، ولكن هناك مؤشرات على أن أهم الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، سترفض تلك الدعوات، وستواجه المحاولات الأمريكية لمنع بنائه، على الرغم من الشكاوى التي لا تنتهي من دول صغيرة مثل ليتوانيا وبولندا.
سمر سامي السمارة