هل يستعيد بايدن ثقة اليابان؟
ريا خوري
في محاولة جديدة وجادة، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إعادة ثقة الحلفاء بالولايات المتحدة الأمريكية التي فقدتها بعد مرحلة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أبعد بلاده عن حلفائها والمقربين لها بحجة أنهم يمثلون ثقلاً هائلاً على موازنتها ومصروفاتها المالية الضخمة.
وفي هذا الصدد فقد أعاد الرئيس بايدن صلات بلاده مع دول الاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص، كما توجّه باتجاه شرق آسيا لحلّ ما خرّبه ترامب مع العديد من دول تلك المنطقة، ولذلك أرسل وزيري الخارجية والدفاع في إدارته أنتوني بلينكن، ولويد أوستن، في زيارة رسمية إلى اليابان في ١٥ آذار ٢٠٢١ بهدف التأكيد على أنّ الولايات المتحدة ملتزمة بقوة بتعزيز التحالفات وتركيز الاهتمام على التعاون بين البلدين الذي من شأنه أن يعزّز السلام والأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وحول العالم، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً تفصيلياً حول الزيارة تمّ وصفها بالمهمّة.
لكن على الرغم من ذلك، فإن فترة حكم الرئيس السابق ترامب كشفت انقساماً حقيقياً وشرخاً واسعاً داخل الولايات المتحدة، بين من يريد ترميم البيت الداخلي أولاً وإعادة صياغة العلاقات الدولية بعيداً عن الحلفاء، ومن يريد أن تستمر الولايات المتحدة في سياستها الخارجية، وفي تقديم المساعدات للحلفاء لكي تبقى لها الكلمة الأولى في العالم، وتبقى القطب الأوحد الذي يقود العالم ويهيمن عليه.
وفي خضم القلق المتصاعد الذي يشعر به الأمريكيون، والذي سيتصاعد في المستقبل ليصل إلى حدّ غير مقبول، اليابان أظهرت من جهتها أنها تدرك حقائق الواقع العالمي، ولذلك كان وزير شؤون التجارة في الحكومة اليابانية ايساكي أوكينافا، قد دعا في فترة سابقة إلى إعادة النظر في الاتفاق الياباني الأمريكي حول وضع القوات العسكرية الأمريكية في اليابان. وكان إيساكي أوكينافا قد أدلى بتصريح مهمّ قال فيه: “من الضروري إعادة النظر في الاتفاق الياباني الأمريكي الذي تمّ توقيعه منذ سنوات طويلة، واليوم ميزان القوى تغيّر بشكلٍ عملي وواضح، والعالم بأسره يتغيّر بسرعة، لذلك يجب أن تتمّ إعادة النظر في الاتفاق من جديد”. وأضاف أوكينافا في تصريحٍ آخر أنه يتوجّب على الحكومة اليابانية الاستجابة لمشاعر السكان والمواطنين اليابانيين، الذين يرفضون الوجود الأمريكي على أراضيهم ولا يريدون القوات الأمريكية في البلاد نهائياً، وهذا حق مشروع، وعلى السلطات اليابانية سماع مواطنيها وتنفيذ رغباتهم.
هذا التصريح يمثّل تطوراً خطيراً في العلاقات اليابانية- الأمريكية، فهذه هي المرة الأولى التي تطالب فيها جهة يابانية رسمية بضرورة إعادة النظر في اتفاقية وضع القوات الأمريكية في اليابان، والتي وقعتها الدولتان عام ١٩٦٠، ولا زالت سارية المفعول حتى اليوم. ففي اليابان اليوم يوجد أكثر من أربعة وخمسين ألفاً من جنود المارينز الأمريكيين، تدفع الحكومة اليابانية سنوياً نحو ملياري دولار نفقات لهم، ويتوزع هؤلاء الجنود في محافظة أوكيناوا التي تحتضن اثنتين وثلاثين قاعدة عسكرية أمريكية، أي ما يعادل ٦٣% من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في اليابان، وهي تغطي نحو ٢٥% من مساحة أراضي المحافظة، وتستوعب نحو خمسين ألف مواطن أمريكي من بينهم ستة وعشرون ألف عسكري، الأمر الذي يحوّل أوكيناوا إلى معقل جيوسياسي بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي تستخدمه من أجل الدفاع عن مصالحها الذاتية، وتوسيع نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا المجاورة لجمهورية الصين الشعبية.
هذه القواعد العسكرية الأمريكية تواجه منذ فترة طويلة، اتهامات بإصدار ضجة شديدة وشغب الجنود، وخلافات حادة بين بعض أفراد الجيش مع المواطنين، وتلويث البيئة في المحافظة، إضافة إلى ارتكاب الجنود الأمريكيين اعتداءات لا أخلاقية متكررة بحق اليابانيين، ما دفع سكان أوكيناوا إلى القيام بتظاهرات متعدّدة رافضين وجود هذه القوات على أراضي هذه المحافظة ومطالبين بطردهم.
غير أن الولايات المتحدة لن تقبل أن تغادر اليابان، بل ستعمل على البقاء فيها لأنها توفر لها قاعدة للهيمنة والسيطرة في الشرق الأقصى، وهكذا قد يتحوّل التحالف بين الدولتين إلى حالة من عدم التوافق والتوازن، وما يمكن أن يطلق عليه حالة ضبابية الرؤية، وربما لن يحدث هذا الأمر في القريب العاجل، لكن كلما تراجع النفوذ الأمريكي في العالم خطوة، فإن ذلك الخلاف سيتقدّم خطوات، إلى الوقت الذي سيتحول فيه الموقف إلى حالة من عدم الاستقرار بين الدولتين، بل إلى حالة من الرفض العلني الرسمي، وذلك وفق قاعدة سياسية شهيرة “لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، بل هناك مصالح دائمة”.
لذلك ليس من المنطقي والعقلاني أن تكون زيارة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين إلى اليابان قد استطاعت أن تُعيد العلاقة بين الدولتين إلى ما كانت عليه في الماضي السحيق، فالعالم يتقدّم بسرعة والخلافات تتعمّق والرؤى تتباعد بازدياد.