هكذا يرحل الكبار.. وداعاً فؤاد بلّاط
رويداً رويداً يرحل عن عالمه الذي قضاه دأباً في ساحة الإعلام، حتى شكَّل مدرسة إعلامية بحدّ ذاتها عبر خمسة عقود، فؤاد بلاط، أبرز إعلاميي سورية، كتب تراجيدية الغياب الأبدي المطلق، السرمدي بكل ما تحمل من قسوة وفجاعة ومرارةِ الرحيل التي تغور في الأعماق حزناً وألماً. ترجَّل عن صهوة الإعلام المتفرِّد الذي شكَّل مع الإعلام ثنائية التطوير الإعلامي بكثير من التفاصيل.
بلّاط قامة حملت رؤى الإعلام الحقيقي المتسامي بتعريفات الإعلام الصحيح، وهذا ما عُرِفَ عنه في مسيرة حياته المهنية، ابن مدينة الميادين في محافظة دير الزور المولود عام ١٩٤٠، المتخرّج من جامعة دمشق كلية الآداب، ونال منها إجازة في الأدب الانكليزي عام ١٩٧٢، وهو المتخرّج من جامعة هايدبيرغ بألمانيا عام ١٩٦٥ كلية العلوم السياسية.
بدأ الراحل بلّاط رحلته الإعلامية عام ١٩٦٨ في صحيفة الاشتراكي آنذاك، بالتزامن مع تأسيس اتحاد الصحفيين السوريين الذي ساهم به، وشغل أمين سره لسنوات طويلة.
تشهدُ مسيرته الإعلامية والمهنية تنقله في العديد من المراكز، منها رئيس تحرير صحيفة الثورة، ومدير للتلفزيون العربي السوري، ومدير عام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومدير لمركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني، ومعاون لوزير الإعلام، ونائب لرئيس المجلس الوطني للإعلام، ومستشار لوزير الثقافة، وعضو في مؤتمر اتحاد الصحفيين العالمي، وهو عضو المجلس الدائم لاتحاد الصحفيين العرب على مدار ٢٠ عاماً.
عُرف عنه تأسيسه النادي الأهلي في مدينه الميادين عام ١٩٥٦، وهو عضو في منتخب طلبة سورية بكرة الطائرة عام ١٩٦٠، والمستشار الإعلامي لجمعية الهلال الأحمر عام ٢٠٠٣، ومشرف عام لموقع آزورا الفرات الإلكتروني الذي أطلقه عام ٢٠٠٦ ليكون مشرفاً على أول موقع إخباري يُعنى بالمنطقة الشرقية من سورية.
تشهد له القنوات الإخبارية المسموعة والمرئية والمقروءة التي نعته محلياً وعربياً لتعكس الأثر البالغ الذي تركه كاسم لا يمكن تجاوزه.
لفاجعة رحيله وقع قاسٍ في قلوب محبيه على امتداد الجغرافية الإعلامية، بل تعدّى الأمر إلى المساحة الاجتماعية، ويكفيه هنا من نعاه سواء من عرفه أو سمع عنه، فرصيد المحبة يشهد لرجل كبير قيمةً ومقاماً من زملائه وطلابه ومن تأثر به وتتلمذ على يديه وسمع عن سيرته المهنية ورصيده من محبة الجميع، كل هؤلاء توشح كلامهم بالسواد يوم رحيله.
ذات مرة أسدى إليَّ نصيحة ما زالت منارةً لي في عملي حين شبَّه علاقة الإعلامي بالمسؤول كعلاقة الفراشة بالمصباح إن اقتربت منه احترقت وإن ابتعدت عنه عاشت بالظلام، مشدداً عليّ أن أحوم في فلك المسؤول وليس في حضنه.
معرفتي العميقة به والودّ الذي يجمعنا لم يشفعا لي عنده بتأخير كتاب كنتُ قد استعرته من مكتبته الخاصة والتي كان يعتبرها عالمه الآخر، لذلك كان اتصاله يسألني عن ذاك الكتاب حتى يعيده إلى مكانه ليطمئن قلبه وحينها قال لي: من لا يصدق بوعده لن يكون صادقاً بعلومه ولن يكون صادقاً مع زوجته، ولا أدري ما سر هذا الربط لديه.
هكذا يرحل الكبار.. بصمت يؤرّق ضجيج المآقي.
وائل حميدي