بانتظار القانون الجديد “المثقل بالعقوبات”.. هل يكفي السجن والغرامة لضبط الأسواق؟
دمشق- ريم ربيع
مئات وآلاف الضبوط التموينية المنظمة شهرياً تمر مرور الكرام في خبر أو تصريح ما دون التوقف عندها ولو للحظة واحدة، فهي وإن اعتبرها حاملو راية “حماية المستهلك” مؤشراً على نشاط الضابطة وتكثيف دوريتها، إلا أنها في الواقع لم تترك أي أثر على الأسواق، إذ لم تنجح يوماً بضبط سعر سلعة ما، أو أن تشكل حالة ردع من مخالفة، أو إلزام التجار بأبسط واجباتهم، فأين الخلل إن كانت الدوريات متواجدة بالأسواق على مدار الساعة؟.
البعض يتجه إلى أن الغرامات والعقوبات “المتواضعة” جعلت التاجر أقوى من أية مخالفة، فالكثير من المخالفات التموينية تتم التسوية عليها بـ 25 ألف ليرة، و”تبويسة شوارب”، وتحت مظلة القانون، ما دفع وزارة التجارة الداخلية لتعديل القانون وتشديد العقوبات لتحقق دورها بالردع، وبعد أن تأخر القانون الجديد لسنوات، يبدو أن الإفراج عنه سيكون قريباً جداً بحسب التصريحات الأخيرة لوزير التجارة الداخلية، غير أن العقوبة لن تكون كافية مهما شددت إن لم تترافق مع إجراءات حاسمة في ملاحقة كبار المنتجين والمستوردين، والحديث هنا لرئيس محكمة بداية الجزاء الأولى التموينية القاضي فادية حاج حسين التي أوضحت أن التلاعب يبدأ من كبار التجار الذين لا تُنظّم ضبوط بحقهم.
وبيّنت حسين أن ما يحكم الأسعار هو الفاتورة التي يرفض المنتج والمستورد إعطاءها لتاجر المفرق، فأغلب الدعاوى الواردة للقضاء تتعلق بالفواتير، وهي سلسلة تبدأ من المستورد والمنتج المتحكمين بالسعر الأساسي، مؤكدة أنه عند وجود فاتورة حقيقية سيتوقف تضاعف الأسعار العشوائي.
تعديل رقابي
وفيما تتم التسوية على الكثير من المخالفات دون تحويلها للقضاء، يحوّل ما لا يقبل التسوية منها للمحكمة التموينية، كالامتناع عن البيع، والتصرف والإتجار بالمواد الإغاثية لغير الغاية المخصصة لها، واحتكار السلع الأساسية، أما ما يزيد فيه مقدار النفع للمخالف أو الضرر الذي يصيب الدولة عن 500 ألف ليرة فيعامل كجريمة اقتصادية، ويحول لدائرة التحقيق المالي، وهنا بيّن قاضي التحقيق المالي بدمشق فؤاد سكر أن كبار التجار والموزعين يحتكرون الأسواق ويسلّمون البضائع لصغار التجار (مفرق- جملة)، فعند تنظيم أي ضبط عدلي أو تمويني يتوجب ملاحقة المصدر والموزع الرئيسي ومعاقبته بدلاً من ملاحقة بائعي التجزئة أو الجملة فقط، ومن المستحسن، بحسب سكر، تعديل السياسات الرقابية لوزارة التجارة الداخلية، خاصة أن القضاء لا يستطيع التصدي للجرائم المذكورة من تلقاء ذاته، بل عن طريق التشديد بالعقوبات بعد تلقيه الضبوط العدلية والتموينية.
أساليب جديدة
للمواد المدعومة أيضاً حصة دسمة من مجمل الدعاوى، لاسيما في ظل التركيز الحكومي على متابعة هذا الأمر، والتعاميم المتتالية من وزارتي العدل والتجارة بتشديد العقوبات للحد الأقصى فيما يتعلق بالإتجار بالمواد المدعومة، حيث أشارت القاضي حسين للجهد المبذول لتأمين المواد الأساسية، المستوردة في غالبها، وتوزيعها بسعر مدعوم، ما استدعى التركيز على ضبط المخالفات المتعلقة بها، مبيّنة أن عقوبة الإتجار بمادة مدعومة هي السجن سنة، والغرامة مليون ليرة.
وبينما اعتُبرت البطاقة الذكية وسيلة للحد من المخالفات وضبط توزيع المواد المدعومة، رأت حسين أن للبطاقة دوراً في تأمين احتياجات المستهلك، لكنها لم تسهم بتخفيف عدد الدعاوى، لأن الفارق مازال كبيراً بين السعر المدعوم وسعر السوق السوداء، إلا أن الاختلاف هنا بسهولة الكشف عن المخالفين، موضحة أن البعض ابتكر أساليب جديدة للمتاجرة بالمواد المدعومة بعد البطاقة الذكية، فموزعو المازوت المنزلي مثلاً يستغلون حاجة البعض لشراء حصصهم وبيعها بالسوق السوداء، وهناك العديد من الضبوط نظمت بحق كازيات وأفران وأشخاص يقومون بتجميع بطاقات للاستفادة من مخصصاتها.
تشديد الخناق
بدوره أشار القاضي سكر إلى تشديد الخناق على التجار لضبط الأسعار من خلال تكثيف عدد الدوريات في الأسواق، الأمر الذي انعكس زيادة ملحوظة بعدد الدعاوى التموينية في الفترة الأخيرة، مبيّناً خلال حديثه عن جرم الاحتكار أن القانون شدد عقوبته وجعلها من أخطر الجرائم، وشُددت الرقابة على المحتكرين والمتعاملين معهم من صغار التجار، ما أدى لزيادة كبيرة في عدد ضبوط الاحتكار الواردة بشكل يومي، والمتنوعة من حيث المخالفين، فمنها ما نظمت بحق كبار المحتكرين، ومنها بحق صغار التجار، علماً أن الأكثرية للنوع الثاني.!
وبيّن سكر أن الاحتكار يحول دون وصول المواد التموينية المدعومة للمستهلك، فضلاً عن التحكم بالأسعار عبر رفعها أو منع خفضها، وعدم استغلال كافة الموارد الطبيعية والإنتاجية التي تسعى الدولة لتأمينها في ظل الظروف الراهنة بقصد التحكم بقاعدة العرض والطلب، وسوء توزيع الموارد والدخل.
لا تراكم
ووفقاً لبيانات المحكمة التموينية، ورد في 2020 حوالي 2902 ضبط، منها 370 دعوى إتجار بمواد مدعومة، و289 مخالفة مواصفات، أما الوارد في 2021 فهو 140 دعوى، مع الإشارة إلى الحكم شهرياً بـ 10-15 مليون ليرة، أما في دائرة التحقيق المالي فتم الفصل خلال 2020 بـ 20 دعوى متعلقة بالإخلال قصداً بتوزيع سلعة مدعومة من الدولة، و12 دعوى غش للدولة بمناسبة التعاقد معها والاحتكار، وفي 2021 فُصلت 33 دعوى لغاية 11/4.
وأكدت رئيس محكمة بداية الجزاء التموينية أن الفصل بالدعاوى التموينية سريع، ومنها ما ينجز بأقل من شهر دون أي تراكم، مبيّنة أن ضبوطاً كثيرة ترد مؤخراً بحق أصحاب محلات صيانة الموبايلات وتصليح السيارات، وهذه الدعاوى بحاجة خبرة، فيفترض قبل وصول الضبط إلى القاضي أن يكون في الضابطة العدلية عناصر من أهل الخبرة بما يخص الأجهزة الالكترونية.
من جنس الفعل
وبالعودة إلى العقوبات، أكدت حسين أن العقوبات الحالية ليست رادعة بالنسبة للظروف، لاسيما الغرامات المالية، ومثلها شدد قاضي التحقيق المالي على أهمية فرض الغرامات المالية بقانون العقوبات الاقتصادية وجعلها توازي الضرر الذي يصيب الدولة، ليكون الجزاء من جنس الفعل، إذ إن العقاب المالي يوفر للميزانية موارد إضافية من شأنها إنعاش الاقتصاد، خاصة في فترات الأزمة، ومع ذلك، يضيف سكر، فإن العقوبة السالبة للحرية موجودة في النصوص المنظمة للجريمة الاقتصادية، وهو تواجد يؤكد رغبة المشرّع في اللجوء إلى الوظيفة الردعية للعقوبة، فنجد أن المخالف في هذه الجرائم يكون مدفوعاً بالأنانية لتحقيق الربح غير المشروع، فيستهين بخطورة فعلته بالنسبة للمصلحة العامة للمجتمع، لذا قام المشرّع بسن وفرض عقوبات سالبة للحرية على الفاعلين وشركائهم من باب التحذير والتنبيه الذي قد يدفع الأشخاص إلى التردد قبل ارتكاب جرائم اقتصادية.