من يحمي من؟!
لا يوجد فارق بين التاجر المهرّب والتاجر المتهرّب، وبعض التجار يمارسون الموبقتين معاً، فإذا كان المهرّب يضر باقتصاد البلاد ويفوّت على الخزينة المليارات، فإن المتهرّب من دفع الضريبة يفوّت أيضاً على الخزينة المليارات !
والسؤال: لماذا يصر بعض التجار على ممارسة التهريب والتهرّب معاً؟
لقد ضبطت مديرية الجمارك السنة الماضية مهرّبات تتجاوز قيمتها 1.1 مليار ليرة في مستودعات شركة مشهورة ينطبق على أصحابها مصطلح “مهرّبون ومتهرّبون” بامتياز.!
وبما أن أصحاب الشركة أدخلوا البضاعة تهريباً إلى سورية فهم مهرّبون.!
وبما أن الجمارك قدرت الرسوم والغرامات المتوجبة على أصحاب الشركة لاستيراد البضاعة تهريباً بمبلغ يتجاوز 122 مليون ليرة، فهم متهرّبون من دفع الضرائب.!
والتهرّب الضريبي الذي يقترفه كبار رجال المال المشهورين ليس جديداً، فقد سبق وقامت إحدى الشركات المشهورة جداً في تسعينيات القرن الماضي بالتهرّب من دفع ضريبة على الأرباح قدرت حينها بأكثر من 127 مليون ليرة، أي بقيمة فعلية تصل هذه الأيام إلى أكثر من 3.4 مليار ليرة، وظن صاحب الشركة وقتها أنه بوصوله إلى مجلس الشعب سيكتسب حصانة تعفيه من دفع الضريبة، وهو اليوم معارض “صنديد” يجهر بالعداء لسورية من الخارج.!
وضبطت الرقابة التموينية في عام 2013 شركة مشهورة يقوم صاحبها بتهريب الدقيق التمويني، ويروّج لمنتجاته في قناة لبنانية معادية لسورية، ما يعني أنه يتهرّب أيضاً من دفع الضرائب.
وفي عام 2015 كشف مصرف سورية المركزي أن مستوردي مادة المازوت من القطاع الخاص هم من كانوا وراء ارتفاع سعر الصرف إلى مستويات غير مسبوقة، وطلب المصرف حينها من وزير المالية معالجة أوضاع هؤلاء المستوردين ضريبياً، وقام المستوردون وقتها ببيع المادة بضعف سعرها، ولم يسددوا قرشاً واحداً ضريبة عن الأرباح التي “شفطوها”، والتي تجاوزت 5 مليارات ليرة.!
وكشف وزير المالية السابق (أن رجل أعمال من كبار المستوردين في سورية، تبلغ قيم إجازات الاستيراد باسمه نحو 9 مليارات ليرة سورية سنوياً، خلال السنوات الثلاث الماضية، يقدم بيانات للمالية بأنه خاسر كي لا يدفع ضرائب، علماً بأن جلّ مستورداته مواد غذائية مطلوبة من السوق، وتاجر آخر يدفع 150 ألف ليرة سنوياً، في حين أن حجم عمله الحقيقي كبير جداً، وهذه ليست حالات استثنائية)!.
نعم، نحن لسنا أمام حالات استثنائية، فالمهرّبون والمتهرّبون كثر، ومعظمهم من حيتان المال، والمشكلة أن هناك من يحميهم.!
هذا ما أكده رئيس الحكومة السابق في 7/ 1/ 2020: “هناك ملفات متراكمة وأسماء لأصحاب شركات ورجال أعمال، ما يؤكد أن هناك خللاً معيناً، وهناك من يحميهم، وهذا أمر مرفوض قطعاً”!.
حسناً، بما أنه مرفوض، فهل من جهة تجيب عن السؤال: من يحمي من، ولماذا؟!.
علي عبود