رمضان في ذاكرة الأدب العربي
دير الزور- خالد جمعة
رصد الأدب العربي شعراً ونثراً الكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية خلال شهر رمضان، ودوّنت في كتب الأدب والتاريخ والتي حفلت منذ عصر صدر الإسلام بكثير من الصور والحكايات والمرويات والقصائد التي كانت تصوّر طقوس الشهر الفضيل.
في استقبال رمضان
يقول الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي احتفالاً بقدوم هلال رمضان.
هذا هلال الصوم من رمضان/بالأفق بان فلا تكن بالواني
وافاك ضيفاً فالتزم تعظيمه/واجعل قراه قراءة القرآن
صمه وصنه واغتنم أيامه/واجبر ذما الضعفاء بالإحسان
أما أديب العربية مصطفى صادق الرافعي فيعبّر عن إحساسه بحلول الشهر الكريم بقوله:
فديتكَ زائراً في كل عامِ/تُحيَّا بالسلامةِ والسَّلامِ
وتُقبِلُ كالغمام يَفِيضُ حِيناً/وَيبقى بعدَهُ أثرُ الغمامِ
وكم في الناس من كَلِفٍ مَشُوقٍ/إليكَ، وكم شجيٍّ مُستَهامِ
نصائح رمضان
ولا يفوت أمير الشعراء أحمد شوقي أن يتوجّه إلى كل الناس بنصائحه الرمضانية، ويستنكر على من يصوم عن الطعام فقط، ويدعوه إلى التخلي عن العيوب والآثام، فيقول:
يا مديم الصوم في الشهر الكريم/صم عن الغيبة يوماً والنمــيم
ويقول أيضاً:
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى/وقبل الصوم صم عن كل فحشا
ويقول الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي:
ولو أني استطعت صيام دهري/لصمت فكان ديدني الصيام
ولكني لا أصوم صيام قوم/تكاثر في فطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعدوا/مطاعم ليس يدركها انهضام
طرائف ونوادر
لقد ذم بعض الشعراء بخلاء رمضان والذين لم يعوّدوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء، وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفاً عند أحد البخلاء فهجاه بقوله:
أتى رمضان غير أن سراتنا/ يزيدون صوماً تضيق به النفس.
يصومون صوم المسلمين نهاره/ وصوم النصارى حينما تغرب الشمس.
ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول: فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذن لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقاً تنقلب وأحداقاً تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء، وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواها تلتقم وحلوقاً تلتهم وألواناً تبيد وبطوناً تستزيد ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب وتعود وتدعو الأجواف قدني.. قدني، وتصيح البطون قطني.. قطني، ومع تعدّد أصناف الطعام على مائدة الفطور في رمضان فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثاً للشهية.
وقيل مرة لمزيد المدني -وهو واحد من ظرفاء العرب: “صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة بكاملها”، فصام مزيد إلى الظهر ثم أفطر، وقال: “يكفيني ستة أشهر يدخل فيها شهر رمضان”.
من النوادر أيضاً أن الخليفةُ المأمون ألقى قصيدةً في مجلسِه، ثم سأل أبا نواس عن رأيه؟ فقال: لا أشمُّ بها أيَّ رائحةٍ للبلاغة، فأمر بحبسِه شهراً في حظيرةِ حمير، وبعد شهر، خرج وعاد لحضورِ المجلس، وبدأ المأمون بإلقاءِ قصيدةٍ أخرى، فقام أبو نواس في منتصفِها ليخرج سأله المأمون: إلى أين؟ فقال: إلى حظيرة الحمير يامولاي، الصمود أمام التطبيل، فما أكثر المطبلين في زمننا هذا.