ضحى جواد: الأمومة دفعتني باتجاه أدب الطفل.. والجوائز إضافة مهمة للمبدع
الكتابة للطفل نوع خاص من الأدب بل وشديد الخصوصية، تشبه نوعاً ما الركض في براري مفتوحة على كل اتجاهات الريح وتسليم الروح لعبثها الفطري في قلوبنا، فتحملنا رياح الخيال تلك إلى مناطق غير مأهولة بأنماط تقليدية من التفكير، فيجب أن نغرد ونعلي الصوت بالغناء خارج أسراب الكلاسيكية ليكون أدب الطفل منبع خيال وجمالاً يضاهي ذهنية الطفل نفسه، وضحى جواد كاتبة أتقنت المجاراة لتلك الرياح وراحت تستنبط من حقولها الخصبة أزاهير وأفكاراً مغايرة للمألوف، وتسكبها ضمن كلمات منمقة، وجمل لطيفة لتشكل منها عجينة الحكاية وتستجلب خيال الطفل القارئ ليساعدها في إتمام المهمة، فيخرج خبز الحكاية ناضجاً بالحب والخير والجمال، ولذلك كله كان لنا معها هذا الحوار للوقوف على ناصية الحكاية ومآلات أدب الطفل وهمومه في سورية.
محتوى يليق بالطفل
الحديث عن الكتابة وبداياتها لا ينفصل عن الحديث عن القراءة وبداياتها، وعنها قالت الكاتبة ضحى جواد: كانت البداية مع يد والدي (المربي والمعلم الفاضل) التي أمسكت بيدي الصغيرة وأخذتني إلى مكتبة المدرسة لأستعير أول قصة، شغفي للقراءة بدأ منذ الصغر في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، وأتذكر دهشة مدير المدرسة عندما كنت آتي كل يوم لأعيد قصة وأستعير أخرى، لم يصدّق أن تلك الطفلة الصغيرة التي دخلت المدرسة في سن أصغر من رفاقها تستطيع أن تقرأ وتفهم كل هذه القصص، لذلك كنت أضطر أن ألخص له القصة حتى يصدّق، وربما هذا ما جعله وقتها يرضخ أمام إلحاحي ورغبتي في استعارة عدد كبير من القصص دفعة واحدة في آخر يوم من الامتحان النصفي، علماً أنه ممنوع استعارة أكثر من قصة، لكن بحجة أنني سأشغل كل أيام العطلة بالقراءة، طلبت قصصاً على عدد أيام العطلة فسمح لي بأخذها بشرط أن ألخصها له عندما أعيدها، فوافقت، وبالكاد استطعت حمل القصص إلى البيت ووضعتها في درج خزانتي الصغير الذي امتلأ بها! وكنت كلما فتحتُ الدرج لآخذ قصة تهاوت جميع القصص، وللمفارقة المضحكة أنني وقتها لم أستطع أن أكبح فضولي وأوزع القصص على مدار أيام العطلة، فقرأت جميع القصص في أول يوم منها، وتحسرت باقي الأيام لأنني لم أحضر معي عدداً أكبر من القصص!.
تبلور الموهبة
وتتابع الكاتبة: بدأت الكتابة في المرحلة الإعدادية، ثم تبلورت موهبتي وتوضحت في المراحل الدراسيّة الأعلى، كانت على شكل خواطر ونصوص نثرية وقصص قصيرة يغلب عليها الأسلوب الرمزي، ولم تكن الكتابة للأطفال تخطر ببالي، ولم أفكر يوماً أنني سأكتب قصصاً للأطفال، لكن حين منَّ الله عليَّ وأصبحتُ أماً بدأت أهتمّ بكل ما يُقدّم للطفل من برامج تلفزيونية وأفلام كرتون وكتب وقصص ومنهاج دراسي، وأدركت أهمية تقديم محتوى جيد يليق بالطفل ويحترم ذكاءه، وبفضل نعمة الأمومة وعملي كمدرسة للأطفال؛ اكتشفت أهمية القصة وأثرها في نفس الطفل، وقدرتها السحرية على التقرب منه وكسب ثقته والدخول إلى مكنوناته، والتعرف على ميوله واهتماماته ورغباته ومشكلاته، فكنت أقرأ القصص لأطفالي بكثرة، وأقصُّ عليهم مااختزنته في ذاكرتي، وعندما تخذلني الذاكرة كانت تسعفني مخيلتي بتأليف قصة، ولدهشتي كانت قصصي تعجبهم كثيراً، ويطلبون سماعها مرات أخرى، فلجأت إلى تدوين القصص حتى لا أنساها.
وأضافت جواد: أحببت أن يستفيد من القصص التي أكتبها أكبر عدد من الأطفال فقررت نشرها؛ ومجلة أسامة العريقة كانت أول من توجّهت إليه وقوبلت بكل ترحيب وتشجيع، وهذا القرار جعلني أكثر قلقاً وسعياً لتقديم الأفضل للطفل، فبدأت دراسة أدب الطفل بالتزامن مع صقل موهبتي بالكتابة؛ فلم أوفر أية دورة تدريبية أو تعليمية في هذا المجال إلاّ واشتركت فيها؛ ووُفِّقْتُ في نشر العديد من القصص والسيناريوهات في إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب: مجلة أسامة ومجلة شامة (مجلة مُختصّة بالطفولة المبكرة) وسلسلة منشورات الطفل، وفي دور نشر عربية مختلفة، وقصتي “رحلة دافئة ملونة” الصادرة عن دار أشجار وصلت إلى معرض الشارقة الدولي ولامست أيدي أطفال من مختلف البيئات والجنسيات.
تخطيط للمستقبل
حصلت الكاتبة ضحى جواد على العديد من الجوائز، وعنها قالت: كان للجوائز التي حصدتها في مجال القصة الموجّهة للطفل الأثر الأكبر في مسيرتي الأدبية في درب أدب الطفل الشائك الصعب والممتع الجذاب في الوقت ذاته، وفي كل مرة كانت تؤكد لي هذه الجوائز وشهادات التقدير أنني أسير في الاتجاه الصحيح، ومع ذلك كلما حصلت على جائزة زاد قلقي الذي يُحمّلني مسؤولية أكبر للعمل والسعي وبذل المزيد من الجهد في هذا المجال لأبقى جديرة بهذا التكريم والتقدير، فأنا بطبيعتي منظمة ودقيقة ولا شيء يأتي عن عبث، هناك دائماً تخطيط للمستقبل الذي يتناسب مع طفل اليوم، طفل الانترنت المنفتح على العالم والمعرفة، ولا أبالغ إن قلت إنه بات من الصعوبة إرضاء ذوق هذا الطفل في ظل تسارع التكنولوجيا الحديثة وانفتاحه على العالم بأسره واطلاعه على تجارب الآخرين وثقافتهم، لذلك على الذين يَفِدون إلى هذا الدرب ألاّ يستسهلوا الكتابة للطفل، فهي أصعب بكثير من الكتابة للكبير؛ لأنها تتطلب الموهبة والدراية بعالم الأطفال، كما تتطلّب العمل الجاد الحثيث في تقديم كل ما هو جديد وجميل.
وتابعت: بالتأكيد الجوائز وشهادات التقدير هي إضافة مهمّة للمبدع لما لها من أثر كبير كونها منعطفات نوعية مهمّة في مسيرته الأدبية، لكنها غير كافية ولا تفي الكاتب حقه، أين كلّ هؤلاء الكُتّاب والمبدعين الذين نالوا جوائز؟ لماذا لم نعد نسمع بأسماء بعض الكُتّاب والمبدعين بعد أن حصلوا على الجوائز؟ وماذا بعد الجائزة؟ لم لا نجمع هؤلاء المبدعين في أعمال مشتركة، مثلاً! وحبذا لو توجد جهة معينة تتبنى نشر أعمالهم الإبداعية بالشكل اللائق، لا يكفي نشر قصة أو قصتين للكاتب في العام، المبدع يحتاج في كثير من الأحيان إلى من يستثير الطاقات الهائلة التي بداخله، ويحتاج إلى من يُقدّر جهده وعمله تقديراً معنوياً ومادياً يليق بالجهد الذي بذله وينصفه ويشعره بقيمة عمله الإبداعي المميز مقارنة بالأعمال الأدبية العادية البسيطة التي ربما لا ترقى للنوع الأدبي الذي تُنسب إليه؛ وهذا لا يشجع فقط الكاتب المميّز وإنما يشجع بقية الكُتّاب ويحثهم على التميّز وبذل المزيد من الجهد والجديّة في أعمالهم.
تقدير واهتمام أكبر
نشرت الكاتبة ضحى العديد من العناوين في عالم الطفولة ومنها “كتاب الحكايات”، “سنجوبة لا تشبه أرنوبة”، “صبوح وبحبوح”، “بلا أشواك”، “الصّديق الجّديد”، “جاء العيد”، “أين الدّجاجة السّوداء”، “العلبة الغريبة”، “العيد للجميع”، “أجمل هدية”، “ضياء والآليّ”، “صديقنا تيكو”، واختتمت حوارها قائلة: يوجد جهد واهتمام واضح بالأطفال وأدبهم من قبل القائمين على النشر، والشكر موصول لهم لإتاحة الفرصة لجميع الأطفال بالتعبير عن أنفسهم وإبراز مواهبهم من خلال إشراكهم في المسابقات الأدبية والفنية المتنوعة، وأرجو المزيد من العطاء في هذا المجال وتبني الأطفال المبدعين والأخذ بيدهم لتطوير مواهبهم ومهاراتهم، فمهما قدّمنا يبقى قليلاً أمام أهمية أدب الطفل في تنشئة جيل المستقبل وأملنا الوحيد في غدٍ أجمل، ونحن (أتكلم عن نفسي وبالنيابة عن كل من يشاطرني الرأي) نطمح بتقدير واهتمام أكبر لكل مبدع في مجال أدب الطفل، التقدير الذي يتناسب مع الجهد الذي يبذله، وبالشكل الذي يليق بعمله الإبداعي ويعطيه القيمة التي يستحقها.
جُمان بركات